quran, islam, book, muslim, islamic, god, quran, quran, quran, quran, quran

نُسب إلى المعتزلة القول: إنَّ كلام الله (القرءان) مخلوق، ومحدث، خلقه اللهُ في مخلوقاته فتكلموا به..!

وقد مثَّلَ هذا خلافًا بين المعتزلة، وفرق أخرى منها: من وصف كلام الله بأنَّه: قديم وأزلي، وليس مخلوقًا.

بداية، أُخالف المعتزلة في قولهم: إنَّ القرءان مخلوق ومحدث، خلقه اللهُ في مخلوقاته..

لأن قولهم هذا يعني: أنَّ كلام الله لم يكن قبل أن يخلق اللهُ المخلوقات!

وهذا بدوره يعني: أنَّ الله لم يعلم ما سيقوله في المستقبل!

تعالى اللهُ عن هذا علوًا كبيرًا.

ما سبب قولهم: القرءان مخلوق؟

أظن أنَّ سبب قولهم: القرءان مخلوق؛ هو خلطهم بين الكلام الَّذي هو من صفات الله (التي لا زمن فيها؛ لأنها ليست مخلوقة)؛ وبين: (القول)؛ كالوحي، والصوت بحرف، والخط؛ خلقهم اللهُ لينقل كلامه إلى مخلوقاته.

هل هذا يعني أنَّ كلام الله قديم وأزلي؟

لا وسأُبين لماذا كلام الله ليس مخلوق، ولا قديم، أو أزلي..

هذا يعني أنني أُخالف من وصفوا كلام الله بأنَّه: قديم وأزلي؛ مثل ما خالفت المعتزلة حين قالوا: كلام الله مخلوق..

لماذا كلام الله ليس قديم؟

من وصفوا كلام الله (القرءان) بأنَّه قديم؛ أرادوا ما أردت؛ وهو: أنَّ القرءان (وهو كلام الله) ليس مخلوقًا.

إذًا فيما الخلاف مع قولهم: القرءان قديم؟!

ذلك لأنهم استخدموا الَّفظ غير المناسب؛ إذ وصفوا كلام الله بأنَّه: قديم.

و لا أختلف معهم في قولهم: إنَّ القرءان (كلام الله) ليس مخلوقًا.

ولتفصيل القول

اللهُ – عز وجل – لم يصف نفسه بأنَّه: (قديم) لأنَّ لفظ: قديم من الألفاظ التي تشير إلى زمن؛ وبالتالي: يكون له بداية (حتى إذا كانت بدايته في الماضي البعيد).

وما الدليل على ذلك من القرءان؟

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ ٱلۡعِيرُ قَالَ أَبُوهُمۡ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَۖ لَوۡلَآ أَن تُفَنِّدُونِ (٩٤) قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَٰلِكَ ٱلۡقَدِيمِ (٩٥) ﴾ يوسف.

كذلك قول الله – تعالى – : ﴿ وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِيمِ (٣٩) ﴾ يس؛ نتبين منه أنَّ (قديم) تشير إلى شئ تم في زمن.

إذًا بما وصف الله نفسه؟

وصف الله – تعالى – نفسه بأنَّه: الأول؛ وليس القديم؛ وهذا أراه من بلاغة كلام الله الَّذي أحاط بكل شئ علمًا.

لتتفكروا من حيث المعنى في لفظي: (قديم، الأول) سيتبين لكم أنَّ لفظ: الأول يخلوا من الزمن، يأتي ليصف ترتيب الوجود، وليس لترتيب الزمن، أو الإشارة إليه.

(الأول) وضده (الآخر) لا يعبران عن زمن، لكن لفظ: (قديم) هو (حتمًا) جزء من الزمن؛ وهو يعني: الزمن الماضي البعيد، وضده لفظ: (جديد).

وإذا أردنا استخدام لفظ: (الأول) ليدل على ترتيب الزمن لأن لفظ: (الأول) أخذ ترتيب الزمن من المخلوق الذي دلَّ عليه، مثل: الإنسان؛ فيكون القول مثلًا: (فلان جاء الأول)؛ حيث يدل لفظ: (جاء) على الزمن الماضي؛ أي الزمن القديم.

وهناك أشياء لفظ: (الأول) لا يدل فيها على ترتيب زمني، ولكن يدل على زمن الحدث؛ أي الزمن الذي يكون فيه قد حدث الشئ، مثل: حصل الطالب على الترتيب الأول على فصله.

لفظ: (الأول) هنا لا يدل على زمن، ولكن يدل على ترتيب الطالب.

أما الزمن فهو ما احتوى على فعل الطالب في الزمن حتى حصل على الترتيب الأول.

لكن حين نصف الخالق؛ فإنَّنا نقول كما قال اللهُ – تعالى – : ﴿ هُوَ ٱلۡأَوَّلُ ﴾ وليس: (هو القديم) ونستخدم لفظ: (الأول) دون استخدام لفظ معه يدل على زمن؛ لأنَّ الله لا يُوصف أبدًا بلفظ فيه زمن؛ لأن الله ليس كالمخلوقات.

وهذا بدوره يبين خطأ من وصفوا الله، أو كلامه بأنَّه: (قديم)؛ لأنَّ مثل ما تبين لنا: اللهُ لم يصف نفسه، أو يصف كلامه بأنَّه: قديم.

والقول بغير هذا يعني ولو دون قصد أنَّ الله مر عليه وعلى كلامه زمن، وهذا لا ينبغي في حق الله تعالى؛ فهو سبحانه خالق الزمن بكل أقسامه التي نعرفها: القديم (الماضي البعيد) والآنية (الحاضر) وما هو قادم من الأحداث (المستقبل).

إذًا كل ما له زمن لا يكون من صفات الله تعالى.

والآن أعود إلى محور الموضوع الَّذي أُخالف فيه قول المعتزلة؛ ألا وهو: إنَّ القرءان مخلوق ومحدث، خلقه الله في خلقه؛ حيث سأُبين: لماذا أختلف معهم في هذا القول.

ومع السياق؛ سنصل إلى الرد على الرؤية التي تقول: إنَّ الإنسان مجبر على أفعاله؛ أي مسير، وليس مخيرًا..

ما هو سبب هذه الإشكالية: (كلام الله مخلوق، كلام الله ليس مخلوقًا)؟

إنِّي أرى سبب هذا الاختلاف هو: أنه لم يتم التفريق بين الكلام والقول بشكل صائب، يتوافق مع ما جاء في القرءان حول معنى كل لفظ.

نعم، إنَّ الخلط بين دلالة الكلام، ودلالة القول، هي من تسببت في الاختلاف؛ بل والتوصيف الخاطئ.

هل كلام الله مثل كلام المخلوقات؛ أم لا؟

بالتأكيد لا، كلام الله ليس ككلام المخلوقات..

إذًا ما هو الفرق بين كلام الله، وكلام المخلوقات؟

كلام المخلوقات هو: مخلوق مثلهم؛ أي يمر زمن لينشأ في النفس؛ لهذا كلام المخلوقات يتم وصفه بألفاظ زمنية، مثل: (القديم، الآن).

وكذلك كلام المخلوقات القادم سيكون في زمن؛ يعلمه اللهُ قبل أن ينشأ (ذلك الكلام) في أنفس البشر.

أنت حين تريد أن تتكلم؛ فإنَّ ذلك يتم في الزمن لا محالة؛ أي ينشأ لحظة إرادتك بإذن الله، وبقدرته.

إذًا كلامك ينشأ (أي يُخلق) مع الأحداث إذا أراد الله.

لكن كلام الله لا يحتاج إلى زمن ليكون؛ لأنَّ الله تعالى ليس مثل المخلوقات ينتظر الزمن ليرى الحدث فيعلم به؛ فيتكلم.

إنَّ علم الله ليس علمًا زمنيًا، وإرادته ليست زمنية كذلك، ولا يعجزها شئ.

ولكن الله تعالى أحاط بكل شئ علمًا؛ فهو يعلم ما سيحدث (بالنسبة لنا) دون زمن.

إنَّ الله تعالى تكلم بالقرءان في:

الَّا زمن؛ أي قبل أن تكون الأحداث أصلًا في زمن يحويها.

ولقد بيَّنا من قبل أنَّ القرءان هو: كلام الله الَّذي وصف به عددًا من الأحداث، بما في ذلك من كلام نشأ في أنفس (ونفوس) المخلوقات في تلك الأحداث.

ما نراه الآن، وما سيأتي في المستقبل (بالنسبة لنا) أحاط اللهُ به علمًا قبل أن تدركه، أو تعيشه المخلوقات.

وهذا لا يعني أنَّ الله أجبرنا على أفعالنا؛ لأنَّ الله أعطانا حرية الإختيار؛ وبعلمه علم ما سنختاره قبل أن نكون.

الله وصف في القرءان أحداثًا لم تأتِ بعد؛ لأنَّه يعلم كيف ستكون تلك الأحداث، وما هي أعمالنا القادمة.

لماذا القرءان ليس مخلوقًا؟

لأن القرءان هو كلام الله الذي وصف اللهُ به الأحداث المخلوقة؛ وصفها سبحانه وتعالى بعلمه وببيانه قبل أن تكون.

أمَّا الَّذي يُخلق: فهو القول؛ لكي ينقل كلام الله إلينا لنسمعه أو نقرأه؛ فنشعر بأثره في أنفسنا.

ومن أمثلة القول الذي خلقه اللهُ لينقل كلامه غير المخلوق إلى مخلوقاته: الوحي، والصوت والحرف، والقول المخطوط على الصحف.

أما كلام الله، وليس قول الله؛ فهو

مثله مثل باقي صفات الله؛ كصفة الرحمة التي نرى ءاثارها: كالمطر، والزرع، وشفاء المريض، ولا نرى ذاتها؛ أي لا نرى الرحمة ذاتها؛ لأنها من صفات الله، وصفات الله ليست مخلوقة، ولا يحويها زمن.

نحن لا نرى الصفة ذاتها، ولكن نرى ءاثارها.

وفي النهاية

أخطأ من قال: إنَّ كلام الله قديم وأزلي؛ لأنَّ كلام الله لا ينشأ في زمن؛ والله خالق الزمن لا يسري عليه الزمن.

واخطأ المعتزلة فيما نُسب إليهم: إنَّ كلام الله مخلوق، خلقه في مخلوقاته.

بل كلام الله ليس مخلوقًا، ولا ينشأ في زمن.

إنه كصفات الله الأخرى ليس مخلوقًا.

إنَّما المخلوق هو القول: كالصوت الَّذي ينقل كلام الله إلى المخلوقات.

أما لفظ: (أزلي) فهو لفظ بشري لم يأتِ في القرءان؛ فلا يمكن الاستدلال به على صفات الله ووجوده؛ لهذا لا يمكن. أن نصف الله بأنه أزلي.

بل هو كما وصف نفسه سبحانه وتعالى ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) ﴾ الحديد.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart