إذا علمنا ما هو الَّفظ الدال في القرءان على العلاقة غير السوية التي تنافي الفطرة بين رجل وءاخر، أو بين امرأة وأخرى؛ سنتبين من القرءان عقوبتها.
قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ (٥٥) ﴾ النمل.
إنَّ الَّفظ الدال على المثلية هو: (الفاحشة)؛ لأنَّه جاء وصف للفعل الذي يتنافى مع الفطرة الذي كان بين رجال قوم لوط، والذي يسمونه بالمثلية..
ويتأكد لنا المعنى في قول الله – تعالى – : ﴿ وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٨٠) ﴾ الأعراف؛ إنَّ تكرار الوصف يُثبت لنا أنَّ ما يُطلق عليه بالمثلية؛ قد جاء ذكرها في القرءان بالفاحشة.
قوم لوط هم أول من فعل الفاحشة، لم يسبقهم بها أحد من العالمين.
إذًا الفاحشة، هي: وصف للمثلية، وليست للزنى على عكس ما يظن البعض.
وما هو وصف الزنى الَّذي نتبينه من القرءان؟
الزنى، هو: العلاقة المحرمة ـ الكاملة ـ بين رجل وامرأة، وقد وصفها القرءان بلفظ: (فاحشة الزنى، فاحشة مبينة). أمَّا لفظ: فاحشة فهو يدل على علاقة غير شرعية بين رجل وامرأة، لكن لم تصل إلى العلاقة الكاملة.
ومن الآيات الدالة على فاحشة الزنى وعقوباتها؛ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا (٣٠) ﴾ الأحزاب.
لا شك أنَّ العذاب يُضاعف في حال الجلد (عقوبة الزنى)؛ حيث يُضاعف العدد؛ أمَّا الإمساك في البيوت (عقوبة المثلية في حال النساء)؛ فلا يُضاعف ولا يُنصف؛ لأنَّه عقوبة واحدة غير قابلة للتجزئ أوالعد؛ فليس هناك مُضاعفة للحبس في البيوت حتى يأتي الموت.
إذًا ما هي عقوبة الفاحشة كما جاءت في القرءان؟
نتبيَّنها من قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا (١٥) ﴾ النساء.
لاحظوا أنَّ تلك هي الإشارة إلى العلاقة التي لا تتوافق مع الفطرة بين النساء، وعقوبتها، هي: الإمساك في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلًا (وذلك في حال التوبة والتوقف عن فعل الفاحشة).
والآية التي تليها من سورة النساء؛ ذكرت العقوبة في حال الرجال؛ حيث نتبيَّن ذلك في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا (١٦) ﴾.
ذلك توافق بليغ بين الآيتين؛ فكلتاهما تدل على علاقة غير سوية.
وفي الآية؛ الله تعالى يُخاطب الرجال الَّذين خاطبهم من قبل بقوله: ﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ ﴾، وهنا لفظ: الَّذان جاء مثنى للدلالة على أنَّه فعل لا يتوافق مع الفطرة بين رجلين من المُخاطبين من الرجال؛ فالله في الآيتين لا يُخاطب النساء، ولكن يُخاطب الرجال لأنَّهم هم: من يقومون بتوقيع العقوبة، والكف عنها في حال التوبة والتوقف عن فعل الفاحشة.
والظن بأنَّ الآيتين يتحدثان عن الزنى؛ سيُؤدي إلى اختلاط القول؛ حيث ستتعدد العقوبة في حال النساء الَّاتي يأتين الفاحشة: وذلك مرة بالحبس في البيوت حتى يتوفاهن الموت، ومرة أخرى بالأذى!
كما في قول الله – تعالى – : ﴿ وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا (١٦) ﴾.
ذلك لو ظننَّا أنَّ الآية تُشير إلى رجل وامرأة! وسيتعدد العفو بدوره: مرة كما في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا ﴾ ومرة أخرى:
﴿ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا﴾؛ ذلك ظن مخالفًا لآيات كتاب الله؛ لأنه يُحدث تعدد في العقوبة، واختلاف بين قبول التوبة، وعدم قبولها بشكل لا يمكن التوفيق بينهم!
والقول الَّذي نستنبطه من القرءان
لأنَّ الآيتين تُخاطبان الرجال المعنيين بتطبيق العقوبة، والعفو في حال التوبة؛ هنا يكون المثنى: ﴿ وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ ﴾ عائدًا ـ بلا شك ولا تأويل ـ على رجلين من الرجال الَّذين تُخاطبهم الآيتان في حال فعلا الفاحشة.
فلو كان المراد من الآية عقوبة الرجل الزاني؛ لجاء القول (ولله المثل الأعلى): والَّذي يأتيها منكم، أو: والَّذين يأتينها منكم، هنا قد نقول: أنَّ ءاية ذكرت عقوبة النساء ـ الَّاتي يزنين ـ والآية الأخرى ذكرت عقوبة الرجال ـ الَّذين يزنون ـ ولكن من دقة القرءان أنَّ الآية الأخرى: ﴿ وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ ﴾؛ جاء فيها لفظ: (الَّذان) مثنى؛ ليقطع الشك باليقين، ويُبيّن لنا: أنَّ لفظ: (الَّذان) في الآية؛ عائد على رجلين ـ من جنس المخاطب وهم الرجال ـ يفعلان الفاحشة، وليس على رجل وامرأة (يزنيان).
قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا (١٥) وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابٗا رَّحِيمًا (١٦) ﴾ مرة أشارت الآية رقم: (١٥) إلى الفاحشة في حال النساء وعقوبتها، وأشارت الآية التي تليها ـ رقم: (١٦) ـ إلى الفاحشة في حال الرجال وعقوبتها، ومن الأدلة على ذلك: اختلاف العقوبتين.
ذلك من كمال كتاب الله، وبلاغة البيان في القرءان.
والله أعلم.