من الناس من ظن هذا؛ فقال: إنَّ قول التحيات (التشهد) في الصلاة مُخالف لقول الله: ﴿ إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ (14) ﴾ طه.
فقالوا: كيف تكون الصلاة لذِكر الله؛ ثم نذكر فيها الأنبياء، وندعوا لأنفسنا في السجود؟!
وقالوا: إنَّما الصلاة هي لذِكر الله وحده؛ فلا يجوز فيها الدعاء للأنبياء، ولا للنفس؟!
ونقول لهم: أخطأتم حين لم تتدبروا الآيات الكريمة، فظننتم أنَّ الدعاء ـ الذي يتوجه به المؤمن في صلاته إلى ربه ـ ليس من ذِكر الله ـ تعالى ـ ..
تدور الكثير من الشبهات حول الصلاة في الفترة الأخيرة..
ومن بين تلك الشبهات:
تشكيك البعض في ما يتم ذكره في الصلاة، والبعض الآخر يُشكك في هيئاتها، أو في عدد فروضها؟!
وءاخرون زعموا: أنه لا وجود للصلاة الحركية، ونفوا وجود صلاة الجمعة؟!
أشكال عدة من الشبهات تزداد، ولا تتوقف؛ إلى الدرجة التي جعلت البعض يسمع لقولهم..
ممن تبعوا قولهم من ظن أنه لا وجود للصلاة الحركية (من قيام، وركوع، وسجود) أو أنَّ الصلاة حُرفت؟!
وقد رددنا بعض أقوالهم ـ من قبل ـ من خلال الاستدلال بآيات القرءان الكريم..
وهنا سنرد على زعم البعض: أنَّ الدعاء، والتحيات ليستا من الصلاة؟!
وسنُثبت أنَّ قولهم: إنَّ التحيات، والدعاء في الصلاة يُخالف الآية: ﴿ إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ (14) ﴾ لم يكن صائبًا؛ بل
قولهم هو الذي يُخالف الآية الكريمة، ويُخالف كل ءايات القرءان الكريم..
لماذا التوجه إلى الله بالدعاء في الصلاة ليس مخالفًا لقول الحق: ﴿ إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ (14) ﴾ ؟
لأنَّ مفهوم الذِكر لا يقتصر على التسبيح فقط، أو حمد الله؛ كما يزعم البعض؛ بل حين يدعو الإنسان ربه ـ بخشوع ـ فذلك من أنواع الذِكر لله ـ عز وجل ـ ..
لماذا الدعاء من الذِكر؟
لأنك تذكر الله في دعائك، وترجوه؛ فأنت هنا قد توجهت للخالق، وليس لمخلوق..
لاحظوا بلاغة الآية الكريمة: ﴿ وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا (18) ﴾ الجن.
إنها تُبين لنا ببلاغة كاملة أنَّ الدعاء هو ذِكر للحق ـ سبحانه وتعالى ـ .
ومتى يكون الدعاء ذِكر لله؟
حين يتوجه الإنسان بدعائه لله وحده؛ حيث يقول الحق: ﴿ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا ﴾ أي أنَّ الله لا ينهاه عن الدعاء في المساجد، ولكن ينهاه عن
التوجه بالدعاء إلى غير الله، أو أن يُشرك في دعائه مع الله أحدًا؛ كأن يقول مثلًا: يا فلان اشفِ لي ابني.. هذا هو الشرك مع الله ـ سبحانه وتعالى ـ
في الدعاء؛ وهذا قد نهى الله عنه.
لكن أن يدعو الإنسان ربه وحده؛ فهذا ليس شركًا بالله ـ عز وجل ـ .
ماذا نستنبط من ذلك؟
أنَّ الدعاء في المساجد (التي هي للصلاة) هو كذلك من ذِكر لله ـ عز وجل ـ فالذكر بهذا لا يقتصر على التسبيح وحده.
إذًا حين يدعوا المؤمنون ربهم في التحيات ـ التي هي جزء من الأذكار في الصلاة ـ قائلين: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين)) هو كذلك من ذِكر لله.
لماذا؟
لأنهم يتوجهون بدعائهم إلى الله وحده، حيث أنَّ قول: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) هو
إقرار بربوبية الله، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يحقق السلام.
وكما نعلم أنَّ: (السلام) من أسماء الله الحسنى: ﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ
ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ (23) هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (24) ﴾ الحشر.
والتي أمرنا الحق أن ندعوه بها: ﴿ وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (180) ﴾ الأعراف.
والقول: ((اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) هو دعاء يتوجه به المؤمن إلى الله وحده؛
وهذا ذِكر لله.
وكذلك حين يدعو المؤمن ربه في السجود؛ ذلك ذِكر لله، وليس إشراكًا به في الصلاة.
التحيات (التشهد).

إنَّ قول التحيات: (( التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم،
إنك حميد مجيد، و بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) هو دعاء المؤمن ربه؛ حيث أنَّ
صيغة التحيات كلها تذكر الله في طلب السلام، والصلاة على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ .
لذلك فإنَّ قول التحيات في الصلاة لا يُخالف قول الحق: ﴿ وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا (18) ﴾.
ولا يُخالف الآية الكريمة: ﴿ إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ (14) ﴾.
من ركنوا لقول من زعموا أنَّ الصلاة حُرفت، أو أنَّ الصلاة الحركية من قيام، وركوع، وسجود؛ لم تكن موجودة في
عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ندعوهم أن يعودوا للصلاة؛ لأن الصلاة التي نُؤديها كل يوم هي: حق،
لم تتغير مع مرور الزمن، وتوالي الأجيال..
إنها صلاة كما أقامها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما أمره الله ـ سبحانه وتعالى ـ .
وليعلموا أنَّ الله ذَكر هيئات الصلاة؛ كما في الآيات التالية:
﴿ إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ (14) ﴾ .
﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ (238) ﴾ البقرة؛ فهي تُبين لنا عدد فروض الصلاة، وأنها من قيام.
لفظ: (الصلوات) يُثبت أنها ليست فرضين فقط، ووجود صلاة وسطى يُثبت أنها أكثر من أربعة فروض؛
لأنه بجانب الصلوات هناك صلاة وسطى.
فلا يمكن أن يكون عدد فروض الصلاة اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة
لماذا؟
لأن كل ذلك لن يتطابق مع قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ (238) ﴾
ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان عدد فروض الصلاة هو خمسة فروض.
ولن يكون سبعة فروض؛ لأنه لم يتحقق ذلك في سنة الله العملية التي يُؤديها المسلمون؛ حيث يصلون كل يوم خمسة فروض.
لو فرضان فلن يتطابق القول مع قول الله : ﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ ﴾ لأن الصلوات جمع؛ أي أكثر من صلاتين.
ولن يكون عدد الفروض ثلاثة فروض..
لماذا؟
لأن عدد الفروض هو صلوات، ومعه يحافظوا على الصلاة الوسطى التي تم ذِكرها بمفردها ﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ ﴾ لو كانت
الصلاة الوسطي في لفظ الصلوات لما ذُكرت بمفردها لأن القول لن يُعطف الشئ على ذاته..
وبالتأكيد عدد الفروض ليس أربعة فروض..
لماذا ليست أربعة فروض؟
لأن الأربعة فروض لو أخذنا منهم ثلاث صلوات سيتبقى صلاة واحدة؛ وبهذا لن تكون هناك: صلاة وسطى؛ أي أن الأربعة فروض ليس فيهم صلاة وسطى.
يتبقى الخمسة فروض هي التي تشمل الصلوات الأربعة، ومعهم صلاة وسطى؛ فيكون بهذا مجموع فروض الصلاة هو: خمسة فروض في اليوم
كما يقيمها المسلمون كما علمهم الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ .
والآية الكريمة التالية تُبين لنا أنَّ الصلاة هي من هيئات حركية كالقيام وسجود: ﴿ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ
وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ
تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ
حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا (102) فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ
ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا (103) ﴾ النساء.
ماذا نتبين من الآية الكريمة؟
ذِكر الحذر مع السجود قد دل على السجود المادي لأنهم عند السجود ـ المادي ـ لن يروا ما حولهم ﴿ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ
فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ ﴾ ذلك لحفظهم، والدفاع عنهم في حال هاجمهم الأعداء وهم في السجود.
وقد تم ذِكر الركوع، وكذلك السجود في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعٗا سُجَّدٗا
يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗاۖ سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطَۡٔهُۥ فََٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ
فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمَۢا (29) ﴾ الفتح.
وكذلك أشارت الآية الكريمة إلى أثر السجود الذي حتمًا لا بد أن يكون ماديًا، وموضعه في الوجه.
إنَّ الصلاة هي من الأعمال العظيمة في الدين الإسلامي، التي تمس الجانب النفسي للإنسان فتجعله راضيًا مُطمئنًا.
وهي من الشرائع التي لها ءاثارها النافعة على خُلق الفرد، وأعماله؛ بل وعلى المجتمع.. فمن يتقي الله، ويكون على صلة بخالقه؛ لا شك يكون عضوًا نافعًا لمجتمعه.
كما أنَّ الصلاة في خشوع هي مُفتاح الفلاح ﴿ قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (1) ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ (2) ﴾ المؤمنون.