A peaceful mosque interior featuring a backlit window, rehal stand, and intricate architecture.

هل السنة تنسخ القرءان؟!

القرءان هو كلام الله، قاطع، بيِّن، نؤمن به، يعلو، ولا يُعلى عليه.

لذلك فإنَّ القرءان يحكم على صحة الرواية، وليس العكس.

ما هو المراد بأنَّ الله أحكم ءاياته؟

قال أعداء الإسلام: (كيف الخالق لا يدري أنَّ هناك من المؤمنين من هم أولي ضرر، مثل: الأعمى، والمريض، والأعرج، لا يستطيعون الجهاد؟!

وقال: لماذا لم يتم استثناء هؤلاء من الجهاد في الآية من أول مرة دون تعديل في الآية؟!

تعالى اللهُ عما يصفون.

في نقضهم هذا؛ كانوا يستشهدون بالقراءة التي وردت في الروايات وهي: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله)؛ أي بدون ذِكر: (غير أولي الضرر).

وما جاء فيها (أي الروايات): هو أنَّ ابن أم مكتوم، وهو رجل أعمى؛ أي من أولي الضرر؛ كان موجودًا حين نزلت الآية على الرسول بدون ذِكر

(غير أولي الضرر).

فلمَّا سمع ابن أم مكتوم الآية اشتكى للرسول – عليه الصلاة والسلام – فقال: يا رسول الله، أنا ضرير..

فنزلت مكانها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) أي نزلت الآية مرة أخرى بإضافة: (غير أولي الضرر).

وفي رواية أخرى قال: (والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت)، ومرة أخرى قال: (وكيف بمن لا يستطيع الجهاد ممن هو أعمى، وأشباه ذلك)؟!

لكن، حين نتبين الآية في كتاب الله:

﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) ﴾ النساء؛ نجد أنَّ الآية محكمة، ألفاظها جاءت بدقة بالغة.

لماذا؟

لأنَّه لم ينقص منها: ﴿ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ﴾ وهو ما يدل على أنَّ الآية محكمة تُبيِّن حكم الله للمؤمنين من أول مرة دون نقص.

حين نتدبر الآية يتبين لنا أنها فرقت بدقة بالغة بين المؤمنين الذين يستطيعون الجهاد في سبيل الله بأنفسهم، وأموالهم، والمؤمنين الذين لا يستطيعون الجهاد (لأنَّهم من أولي الضرر، مثل: الأعمى، والمريض).

وحين نع د إلى القراءة التي وردت في الروايات وهي: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) ونقارنها بما في كتاب الله: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ نجدها لا تتوافق مع إحكام الله لآياته!

كيف ذلك؟

أولًا: كلام الله لا يُمكن أن يتبدل، أو يتغير.

ثانيًا: لأنَّ القراءة في الرواية نقصت (غير أولي الضرر) فلم تفرق بين المؤمنين الذي يستطيعون الجهاد في سبيل الله، والمؤمنين الذين يعانون من الضرر، مثل: الأعمى، والمريض الذي لا يستطيع الجهاد بنفسه وماله.

وبذلك اختل إحكام هذه القراءة مع الآية التي نقرؤها في كتاب الله؛ لأنَّه من المستحيل أن يكون الإحكام واحدًا في كلتا القراءتين!

ولو سلمنا جدلًا أنَّ الآية نزلت كما قالت الروايات بدون (غير أولي الضرر)! فكأنَّ الروايات (وإن كان ذلك دون قصد) جعلت لابن أم مكتوم (وهو رجل أعمى لا يستطيع الجهاد) حجة على الله – تعالى – ؟!

والدليل على ذلك؛ أنَّ الروايات تقول: إنَّه بعد أن اشتكى ابن أم مكتوم من ضرره (أعمى) للرسول – عليه الصلاة والسلام – تقول الرواية: أوحى اللهُ بعدها مباشرة إلى رسوله قوله: (غير أولي الضرر) لكي يُضيفها إلى الآية التي نزلت أول مرة بدونها.

فيستثني بعد شكوى ابن أم مكتوم أولي الضرر من الجهاد في سبيل الله بأنفسهم، وأموالهم؟!

ولكن نقول: ليس لأحد حجة على الله في الدنيا، أو الآخرة؛ وهذا ليس كلامنا؛ بل كلام الله – عز وجل – : ﴿ قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ (١٤٩) ﴾ الأنعام؛ وهذا بدوره ينفي أنَّ الآية نزلت بدون (غير أولي الضرر) في أول مرة؛ ثم أضيف إليها أولي الضرر بعد شكوى ابن أم مكتوم.

بل الآية نزلت من أول مرة كما نقرؤها في القرءان: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) ﴾ النساء.

فدقة الألفاظ في الآية بينة، قاطعة، لا يختلف حولها الناس؛ وذلك نجده في كل ءايات القرءان الكريم.

هذا الإحكام في ءايات الله بلا شك هو ما يُمكننا من تبين صحة الروايات من عدم صحتها.

فلا يكون الأمر قاصرًا على السند، ولكن علينا أن نتدبر القول.

ما يتفق مع القرءان يتفق مع العقل، والفطرة، وما يُخالف القرءان سنجده كذلك يُخالف العقل، والفطرة.

ومن أمثلة إعمال العقل، وتوافقه مع كتاب الله ما يلي: لا شك أنَّ كل الناس تتفق على أنَّ الأعمى لا يستطيع الجهاد؛ إذًا القول بأنَّ الآية نزلت في أول مرة بدون: (غير أولي الضرر) يطعن في إحكام الله لآياته؛ لأنَّه لا يتفق مع القول الحق الذي يخلو من أي نقص.

إنَّ ما جاء في الروايات يُخالف إحكام الله لآياته، ودقة ألفاظها التي يجب أن تكون عليها دون تأويل، ونقص.

فلا ينبغي أن تكون القراءة: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله)؛ لأنَّ في ذلك تناقض، ونقص لا يكون أبدًا في كتاب الله الذي أحكم اللهُ ءاياته.

وفي النهاية

الآية الكريمة تتحدث عن حكم إلهي للمؤمنين؛ فهي حتمًا تكون بينة، وقاطعة، لئلا يطعن فيها الطاعنون، ولا يختلف حولها الناس، ولا يكون لأحد منهم حجة على الله يوم القيامة؛ بل تكون الآية هي الحجة عليهم يوم القيامة.

إنَّ الله لا يُبدل في كلامه كالبشر، أو يُغير من ءاياته من أجل رؤية بشر، ولا يختل إحكامه لآياته، ولا نجد في كلامه – سبحانه وتعالى – اختلافًا أبدًا.

إنَّ ما زعموه في الرواية من نقص لفظ: ﴿ غير أولي الضرر ﴾ في أول نزول للآية الكريمة يُخالف قول الله – تعالى – : ﴿ الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) ﴾ هود.

هذه الآية الكريمة تنفي أي نقص في كلام الله – تعالى -.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart