High-angle view of a Quran on an ornate wooden stand, symbolizing faith and spirituality.

هل السيدة مريم نذرت صومًا عن الكلام ثم خالفته وكلمت قومها؟!

الرد على شُبهة وجود تناقُض فى قول الله تعالى: ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) ﴾ سورة مريم.

كان قولهم: كيف نذرت صومًا عن الكلام؛ ثم خالفته وكلمت قومها؟!

إنَّ أصحاب الشُبهة وقعوا في عدة أخطاء: فهُم خلطوا بين الكلام والقول واعتبروهما بمعنى واحد، وبعضهم قال: إنَّ الكلام هو النطق؛ أي الصوت الذي يأتي عن طريق اللسان والشفتين..

كما أنَّهم خلطوا بين كلام الله تعالى، وبين قول السيدة مريم لقومها.

تعددت الآراء حول الآية، ومن بين تلك الآراء التي حاولت أن تصل إلى الحقيقة: إنَّ الصوم عن الكلام قد بدأ بعد أن أبلغت السيدة مريم قومها بأنها نذرت للرحمن صومًا..وهذا جائز لأن اليوم لا يعني يومًا تامًا.

حين نتدبر قول الله – تعالى – : ﴿ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) ﴾ سورة مريم؛ لنتبين ما حدث نجد أنَّ اللفظين جاءا في ءاية واحدة.

ومن خلال تدبر القرءان يتبين لنا أنَّ الكلام ليس هو القول؛ إنما هو ما ينشأ في النفس وفقًا لرغباتها..

أما القول فهو الوسيلة التي تنقل الكلام من داخل النفس إلى الآخرين، سواء كان كلامها الذي نشأ فيها، أو كلامًا جاء من خارجها.

أقسام القول.

للقول أقسام عديدة، مثل: النطق باللسان والشفتين؛ أي بصوت وحرف، والرموز، مثل: الحروف المخطوطة على الورق والتي درج تسميتها بالكتابة في حين أنَّ الكتابة هى العلم، أو المعلومات التى يتم ترتيبها بطريقة معينة لتُعبر عن فكر صاحبها حتى إذا لم يتم تدوينها على الورق.

كذلك من أقسام القول الإشارة، والمؤثرات الصوتية، مثل: صوت عربة الإسعاف التى يفقه الناس أنَّه يُطلب منهم إفساح الطريق لإنقاذ أحد المرضى، وغير ذلك من وسائل التعبير التي يتم تسميتها: (قولًا).

وكما قلنا: إنَّ الكلام ليس هوالقول ولا يعنى النطق (الصوت) كما يظن البعض! إنَّه فقط ما ينشأ داخل النفس حتى إذا لم يتم التعبير عنه.

وعودة إلى الآية الكريمة والتساؤل: هل مريم – عليها السلام – حقًا كلمت قومها بعد أن نذرت للرحمن صومًا؟

ستكون الاجابة ب (لا)، فمريم عليها السلام لم تكلم قومها مُطلقًا، حتى عندما قالت: (لهم إنَّي نذرت للرحمن صومًا!).

لأنَّ ما حدث من مريم – عليها السلام – كان قولاً بالاشارة، نقلت به كلام الله تعالى الذي أوحىَ إليها، ولم يكن كلامها هي.

وإن كانت نقلته نطقًا فهي نقلت بقولها ما أوحي إليها من ربها، وفي تلك الحالة هي كذلك لم تقُل كلامًا نشأ في نفسها.

أي أنَّ السيدة مريم في كل الأحوال لم تتكلم مُطلقًا بكلام نشأ في نفسها؛ إنها نقلت لقومها ما أُوحي إليها من ربها.

لذلك لم يحدث أي تعارض في الآية الكريمة التي كان مرادها بالصوم: هو أن تصوم السيدة مريم عن كلامها هي، وليس عن القول الذي ينقل كلام الله – تعالى – الذي أوحي إليها من قبل.

فلو كانت هي المتكلمة لقالت كلامًا تعبر به عما في نفسها (كلامًا نشأ في نفسها، ولم يأتها من خارجها).

لنفترض أن مُعلم في مدرسة ما قال: إنَّ الأرض تدور حول محورها، وتكمل دورة كاملة كل ٢٤ ساعة.

سنسأل أنفسنا: هل هذا كلام المُعلم؟ المعلم لم يتكلم مطلقًا!

كيف وقد تكلم بالفعل إلى طلابه، وقال لهم: إنَّ الأرض تدور حول محورها..؟!

المعلم لم يتكلم مُطلقًا؛ لأنَّ ماقاله لطلابه لم يكن كلامه هو؛ إنَّما هو كلام من اكتشف أنً الأرض تدور حول محورها.

وما قام به المعلم هو أنه نقل هذا الكلام للطلاب من خلال قوله هو بصوته مثلًا..إنه كلام العالم، وقول المُعلم.

وبالتالي: المُعلم لم يُكلم الطلاب عن دوران الأرض حول محورها؛ بل قال لهم ما قرأه أو سمعه من كلام العالم.

ربما يُقرب لنا هذا ما حدث في الآية الكريمة أنَّ السيدة مريم فعليًا لم تتكلم مع قومها، لأنَّها لم تعبر عن كلام نشأ في نفسها، ولكن التزمت بصومها عن الكلام كما أمرها الله – عز وجل -.

وما قامت به هو أنها نقلت من خلال قولها (نطقًا أو إشارة) ما أُوحي إليها من ربها.

وقد جسد قولها: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ﴾ الفرق بين الكلام الذي ينشأ في النفس ليعبر عنها، وبين القول الذي ينقل الكلام إلى الآخرين حتى لو كان كلامًا جاءها من خارج النفس في صورة وحيًا من الله تعالى.

والله أعلم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart