هل النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سُحر؟

اختلف المسلمون حول تعرض النبي للسحر؛ أمَّا أعداء الإسلام؛ فلم يتركوا الأمر دون أن يكون لهم فيه كلمة؛ ليُشككوا الناس في مصداقية الرسالة؛ حيث قالوا: كيف يكون رسول من عند الله؛ ثم يُسحر فلا يدري ماذا كان يقول؛ فطعنوا في القرءان !

ومن يؤمنون بتعرض النبي للسحر، قالوا: السحر لم يُؤثر على الرسول في تبليغه للرسالة؛ ولكن أثر عليه في تذكره لأشياء أخرى في حياته الخاصة !

هذا التأويل يضعنا في دائرة الاختلاف التي لا تنتهي، ولا يُمكن حسمه؛ كما أنَّني أراه يُؤذي النبي وأزواجه؛ لأنَّه لا يُعقل أن تتحدث إحدى أزواج النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن الحياة الخاصة؛.بل القول الحق، هو: أنَّ النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يتعرض للسحر مُطلقًا.

وحين نقرأُ الروايات التي قالت: إنَّ النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سُحر؛ نجد فيها اختلافًا كثيرًا ! ولكن ما استشهد به لتبيُّن: إن كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سُحر أم لا، هو: ءايات القرءان؛ كلام الله الحق الَّذي يعلو ولا يُعلى عليه؛ الَّذي هو القول الفصل.

من حيث العقل؛ الَّذي، هو: أشبه بميزان يُفرق به الإنسانُ بين الحق والباطل ـ لا يُمكن الإيمان أو التصديق بأنَّ النبي سُحر؛ لأنَّ ذلك يطعن في الرسالة، ويُخالف ءايات القرءان.

قال الله ـ تعالى ـ : (( وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ )) من الآية ( 113 ) سورة النساء؛ الله ـ تعالى ـ نفى حدوث ضرر للنبي نفيًا مطلقًا في كل الأزمنة، والضرر ـ غير الأذى ـ لا يكون إلَّا ماديًا.

أمَّا الأذى، فهو: نفسي ـ معنوي ـ، وهذا يُصيب الرسول حتى الآن، مثل من يسبون النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو يفترون عليه الكذب؛ ونتبيَّن ذلك من قول الله ـ تعالى ـ : (( إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابٗا مُّهِينٗا ( 50 ) )) سورة الأحزاب، اللهُ لم ينفِ الأذى عن نفسه، أو عن الرسول، لأنَّ الأذى معنوي وليس ماديًا.

الَّفظ الآخر الَّذي ينفي تعرض النبي للسحر، هو لفظ: العصمة.

ما هو مفهوم العصمة في القرءان؟

قال الله ـ تعالى ـ : (( وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ )) من الآية ( 67 ) سورة المائدة. العصمة، هي: الحفظ من الضرر، والضرر لا يكون إلَّا ماديًا؛ فلا يستطيع أحد من الناس أن يضر النبي أبدًا؛ فكيف يقولون: أنَّه سُحر، وأنَّ السحر أثر عليه تأثيرًا ماديًا؟!

ومن الأدلة على أنَّ العصمة، هي: الحفظ من الضرر؛ ما نتبيَّنه من قول الله ـ تعالى ـ : (( قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ )) من الآية ( 43 ) سورة هود؛ نعلم أنَّ نوح ـ عليه السلام ـ كان يطلب من ابنه أن يركب معهم السفينة؛ لكي لا يغرق مع القوم الظالمين، والغرق ـ بلا شك ـ هو: شئ مادي، وكذلك الماء؛ لكن ابن سيدنا نوح ظن أنَّه سيأوي إلى جبل ليعصمه من الماء؛ أي يحفظه من الماء؛ فلا يغرق: (( قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ ))؛ وهذا يدل على أنَّ مفهوم العصمة في القرءان، هو: مفهوم مادي يعني: الحفظ من التأثرِ بالأشياء المادية؛ كالغرق بالماء مثلًا.

لو تعرض النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ للسحر ـ ولأنَّ السحر أثر على النبي تأثيرًا ماديًا ـ؛ فإنَّ ذلك سيُخالف ءايات القرءان؛ كقول الله ـ تعالى ـ : (( وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ ))، وقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (( وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ )).

ولأنَّ ءايات القرءان لا تحوي اختلافًا بينها؛ فإنَّني أجد أنَّ المعنى سيكتمل حين استشهد بقول الله ـ تعالى ـ : (( نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَسۡتَمِعُونَ بِهِۦٓ إِذۡ يَسۡتَمِعُونَ إِلَيۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا ( 47 ) )) سورة الإسراء؛ يستمعون إلى النبي، ويقولون عنه: (( رَجُلٗا مَّسۡحُورًا )) !

لاحظوا أنَّ الآية لا تقول: إذ يقول المشركون، أو: إذ يقول الكافرون؛ ولكن تقول: (( إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ ))؛ لأنَّهم يفترون الكذب.

مما سبق: يتبيَّن لنا من خلال القرءان ودقة ألفاظه: أنَّ النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يتعرض للسحر؛ ووصف الله من قالوا: (( إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلٗا مَّسۡحُورًا )) بقوله: (( إِذۡ يَقُولُ ٱلظَّٰلِمُونَ ))؛ لأنَّ قولهم هذا، هو: افتراء على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويُخالف ءايات القرءان.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart