إنَّ أول ما نتبين به الحق في الآيات هو القرءان (أي تبين، وتفسير القرءان بالقرءان)، وليس بكلام العرب.
لماذا؟
لأن كلام العرب، والشعر الجاهلي كلام بشري لا يخلو من الاختلاف، وعدم الدقة في ألفاظه، وبيانه.
لكن كلام الله مُعجز في ذاته كامل، لا نقص فيه، يحوي بلاغة بيانية، ودقة لفظية لا نجد مثلها في كلام البشر.
ومن الأمور المهمة في استنباط المراد من الآيات هو أن نعي قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) ﴾
الأعراف.
التفصيل هو ذِكر تفصيل الأمر، أو الشئ المُجمل، أو اللفظ الذي نريد أن نستنبط دلالته؛ في ءايات أخرى من القرءان.
أي أن تفصيل الآيات يُيسر لمن يتدبر القرءان أن يستنبط دلالة لفظ مفرد.
كيف ذلك؟
مثلًا: لنستنبط المراد من قول الله – عز وجل – : ﴿ تلك عشرة كاملة ﴾ لا بد من تفصيل الآيات التي ذَكرت لفظي: (أكمل، أتم) وما يُشتق منهما.
لقد وضع الله تفصيل الكتاب لتفصل الآيات بعضها؛ فيُمكن لمن يتدبر القرءان أن يتبين من خلال ءايات القرءان (وليس بقول من خارجه) ما جهله في ءايات أخرى.
قول الله – تعالى – : ﴿ تلك عشرة كاملة ﴾ لا يُمكن تبينه من كلام العرب، ولا يُمكن تبينه دون تدبر الآيات التي تُفصله.
وما هو تفصيل الكتاب؟
تفصيل الكتاب هو ذِكر تفصيل ما أُجمل من القول في ءاية؛ لنجده في ءايات أخرى تفصله.
هذا يعني أنَّ ءايات القرءان مترابطة مع بعضها حسب بيان مُعجز بالغ الدقة، والكمال، لو كان من عند البشر لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
قال الله – تعالى – : ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ
مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦) ﴾
البقرة.
الموضوع تم تفصيله من قبل.. وبشكل موجز:
كيف تفصل الآيات قول الله – تعالى – ﴿ تلك عشرة كاملة ﴾؟
قال الله – عز وجل – : ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ من الآية (١٨٧) البقرة.
لفظ (أتموا) دلَّ على المدة والزمن المتصل الذي لا ينقطع.
وفي قول الله – تعالى – : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) ﴾ البقرة.
يتبين لنا من الآية أنَّ لفظ (ولتكملوا) دلَّ على المدة المتقطعة، والعدد غير المتتابع.
ذلك لأن يوم العيد فصل بين شهر رمضان والعدة؛ أي أنَّ العدة لا تبدأ بعد شهر رمضان مباشرة.
إذًا الآيات بينت، وفصلت لنا المراد من قول الله – تعالى – : ﴿ تلك عشرة كاملة ﴾.
لفظ (كاملة) دلَّ على أنَّ من لم يجد الهدي يصوم الثلاثة أيام في الحج بشكل متفرق، وليس شرطًا أن تكون الثلاثة أيام متتابعة.
وكذلك الأمر بالنسبة للسبعة أيام بعد الرجوع من الحج.
ذلك من دقة، وبلاغة لفظ (كاملة) في الآية، وتفصيل الكتاب وإعجاز البيان فيه الذي لا يكون للبشر، والذي لا نُدركه إلَّا بتدبر ءايات القرءان مع بعضها.
فلا يُمكن أن نتبين ذلك من خارج القرءان الكريم.