وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ

ما هي الدقة البيانية والتشريعية في قول الله ـ تعالى ـ : (( وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ )) من الآية ( ٢٣٣ ) سورة البقرة ؟ لِمَ جاء: (( حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ ))، وليس حولين تامين ؟ (( يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ ))، وليس يُكمل الرضاعة ؟

أليس هذا دليل على أنَّ كل لفظ في كتاب الله يأتي في موضعه ؟

الله ـ تعالى ـ لم يقل: حولين تامين؛ لأنَّ: ( تامين ) ستؤدي لاختلاف في الآية؛ حيث ستجعل المدة الخاصة بالحولين لها بداية معلومة ونهاية معلومة لا ينبغي الخروج عنها؛ وهذا يعني أن تكون: أربعة وعشرين شهرًا متتابعة. وما الَّذي يمنع أن تكون الأشهر متتابعة ؟ ذلك ما نتبيَّنه من دقة الألفاظ والبيان في القرءان:

في حال أرادوا إتمام الرضاعة؛ فإنَّ مدة إتمامها، هي: أربعة وعشرون شهرًا لا ينقص منها شهر واحد ( ونستنبط من الآية أنَّه: لا يُشترط أن تكون الأربعة وعشرون شهرًا متتابعة ).

لأنَّ قول الله ـ تعالى ـ : (( حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ )) وضع حسابًا دقيقًا لِمَا قد يحدث للأم ـ مثل: المرض ـ فلا تتمكن من إرضاع طفلها أربعة وعشرين شهرًا متتابعة. وحتى لا تكون المدة ناقصة؛ فإنَّ قول الله ـ تعالى ـ : (( حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ )) مكنها من أن تعوض النقص ـ وليكن شهرًا ـ مثلًا ـ من بعد نهاية الحولين؛ بشهر ءاخر؛ حيث لم يُلزمها بأن تُرضع الطفل: أربعة وعشرين شهرًا متتابعة؛ وبذلك تتمكن الأم من تعويض الشهر الَّذي نقص من الرضاعة خلال الحولين؛ لتستكمل الأربعة وعشرين شهرًا؛ وتتم الرضاعة التي ارتبطت بعدد الأشهر الأربعة وعشرين، وليس بتتابعها.

وبالتالي: يكون مراد الله من قوله: (( حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ ))؛ متوافقًا مع قوله: (( لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ )).

فالله شرع مدة تمام الرضاعة بأربعة وعشرين شهرًا ( لا ينقص منها شهر واحد )؛ وبذلك لفظ: كاملين في الآية؛ نفى شرط تتابع: الأربعة والعشرون شهرًا. وهل يُمكن أن يستكملوا العدد بعد نهاية الحولين ؟

نأتي بدليلين من القرءان:

من الأدلة على أن لفظ: كاميلن في الآية؛ يُراد به استكمال العدد ـ حتى لو تم ذلك خارج الحولين ـ وأنَّه لا يعني: المدة المحددة ببداية ونهاية محددتين؛ قول الله ـ تعالى ـ : (( وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ )) من الآية ( ١٨٥ ) سورة البقرة. يتبيَّن لنا: أنَّ إكمال العدة ـ العدد ـ هو المبتغى، وليس بداية الشهر أو نهايته التي يتم تحديدها حسب منازل القمر؛ وإلَّا ما كان هناك قضاءً لمن أفطر يومًا في رمضان !

مثلًا: لو كان عدد أيام شهر رمضان ثلاثين يومًا، وأفطر إنسان يومين خلال الشهر؛ فإنَّه يقضي صيام اليومين بعد العيد؛ ليستكمل العدة ـ الثلاثين يومًا ـ وهي: إجمالي عدد أيام شهر رمضان.

ومع أنَّه ـ كما نلاحظ ـ يصوم العدة في شهر غير شهر رمضان؛ إلَّا أنَّها تُحسب له إكمال لعدد أيام الشهر؛ لأنَّ العبرة بعدد الأيام ( وإلَّا ما كتب عليه قضاء ما أفطره من أيام في شهر رمضان). هذا ما نتبيَّنه من قول الله ـ تعالى ـ : (( وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ )).

كذلك نتبيَّن من قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (( حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ ))؛ أنَّ العبرة من لفظ: ( كاملين )، هو: أنَّ عدد أشهر الحولين ـ الأربعة والعشرين شهرًا ـ يجب استكمالهم ـ لمن أراد أن يُتم الرضاعة ـ

وأنَّ العبرة ليست بمدة محددة البداية والنهاية؛ حتى لا تقل تلك المدة ـ إتمام الرضاعة ـ عما أراده الله تعالى.

ومن القرءان نستنبط دليلًا ءاخر على أنَّ لفظ: كاملين يعني: إستكمال عدد أشهر الحولين، دون شرط تتابعهما، وهو قول الله ـ تعالى ـ : (( فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ )) من الآية ( ١٩٦ ) سورة البقرة.

لفظ: ( كاملة ) دل ـ كما تبيَّن لنا من قبل ـ على أنَّ الثلاثة أيام تكون متفرقة، ولا يُشترط في صيامها التتابع؛ وكذلك السبعة أيام بعد الرجوع ( ذلك ما نستنبطه من لفظ: الإكمال وما يُشتق منه ).

إنَّ الدقة التشريعية التي نستنبطها من قول الله ـ تعالى ـ : (( وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ ))؛ نتبينها من وجود لفظ: ( كاملين ) الَّذي توافق مع لفظ: ( يُتم)؛ لأنَّ لفظ: ( كاملين ) قد دل على أنَّ: الأربعة وعشرين شهرًا ـ مدة الحولين ـ لا يُشترط أن تكون متتابعة؛ ليُعطى لهم فرصة استكمال مدة الرضاعة في حال تعذر أن تكون أشهر تلك المدة متتابعة ـ لمن أراد أن يُتم الرضاعة ـ لأنَّ المدة يجب ألَّا تنقص شهر واحد؛ حتى تكون كاملة؛ لتكتمل بها الرضاعة.

لِمَ جاء: (( لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ ))، وليس: لمن أراد أن يُكمل الرضاعة ؟

لأنَّ لفظ: ( يُتم )؛ يُعبر عن المقدار الَّذي لا يُمكن للإنسان أن يُحصيه، مثل: ( النور، البصر، السمع )؛ كذلك الرضاعة، هي: مقدار يُتَم؛ فوصفها: الإتمام، وليس الإكمال.

إنَّ هذا من دقة كلام الله ـ تعالى ـ التي نتبيَّنها من القرءان.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart