يمثل موقت الإفطار في شهر رمضان خلافًا عند بعض الناس في السنين الأخيرة..

فمن الناس من ظنَّ أنَّ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ يعني دخول الصيام في الليل، وقال: إنَّ المسلمين يفطرون في توقيت خاطئ؛ ذلك حين يفطرون بعد الغروب، ولا ينتظرون دخول الليل!

 سأتوقف فيما بعد عند لفظ: (دخول) لنتبين منه بلاغة قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾.

في البداية نطرح عليهم التساؤل التالي: ماذا لو كان الصيام يدخل في الليل؟! فهل ثمة إجابة على التالي؟

لو كان الصيام يدخل في الليل حسب ظنهم؛ فهل نجد في الآية ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ ما يُبين، أو يُحدد توقيت انتهاء الصيام (أي  متى يفطر الصائم في الليل)؟!

كلا، فليس في القول أي تحديد لوقت الإفطار داخل الليل؛ ولا شك أنَّ هذا سيصنع اختلافًا حقيقيًا بين الناس؛ فمنهم من سيفطر في أول الليل ولا يستطيع أحد أن يُنكر عليه ذلك! ومنهم من سيفطر في وسط الليل، أو في ءاخره وله كذلك حجته؛ لأنَّ ليس في القول ـ كما بينت ـ ما يُحدد وقت الإفطار داخل الليل!

وبالتالي: لو الصيام دخل في الليل؛ فإنَّنا لا نستطيع تحديد وقت الإفطار الذي نجده قد تُرك مفتوحًا (لم يتم تحديده)، وهذا ليس من الآية في شئ.

ولكي نحدد هل الصيام ينتهي قبل الليل أم يدخل فيه؛ علينا أن نفرق بين لفظي: (إلى، حتى)..

حين نتدبر القرءان لنتبين المراد من لفظ: (إلى) نجد أنه يأتي ليشير إلى الشئ، وليس الدخول فيه..

نعم، مجئ لفظ: (إلى) في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ حدد بدقة بالغة ـ مع الألفاظ الأخرى ـ نهاية الصيام، ولم يترك الأمر مفتوحًا، يصنع اختلافًا بين الناس، أو يبعدهم عن مراد الله.

فحسب دلالة لفظ: (إلى) في القرءان؛ يتبين لنا أنَّ الصيام ينتهي قبل الليل مباشرة، وليس في الليل؛ وهنا نكون قد علمنا أنه لا يجوز دخول الصيام في الليل.

وكذلك من بلاغة الآية نتبين أنَّ الصيام لا يمكن أن ينتهي قبل غروب الشمس؛ لأنَّ الله ربط نهاية الصيام بما يسبق دخول الليل مباشرة: ﴿ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ وهذا يعني أنَّ الصيام لا بد أن يمتد إلى ما بعد غروب الشمس.

هلال

لكن متى يدل لفظ: (إلى) على الدخول في الشئ؟

إذا جاء مقرونًا بدليل معه، مثل: ذهب الطلاب إلى داخل الفصل؛ فلفظ (إلى) ليس هو من دلَّ على دخول الطلاب الفصل، ولكن من دلَّ على ذلك هو لفظ (داخل).

مما سبق

نجد من خلال تدبر القرءان أنَّ لفظ: (إلى) يشير إلى الشئ وليس الدخول فيه سواء كان مكانًا، أو زمانًا.

وقد يُشير لفظ: (إلى) إلى نهاية المدة إذا جاء معه مدة متصلة، مثل ما نتبينه من قول الله ـ عز وجل ـ : ﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ (4) ﴾ سورة التوبة؛ نجد أنَّ (إلى) قد أشارت إلى نهاية مدة العهد، ولا تدل على الدخول في الوقت الذي يلي تلك المدة.

 وبالتالي: لا يجوز امتداد المدة بعد نهايتها؛ أي أنَّ (إلى) لا تشير إلى الزمن الذي يلي المدة الخاصة بالعهد.

ما هو اللفظ الذي يعني الدخول في الشئ، أو الزمن؟

إنه لفظ: (حتى)؛ لذلك الله لم يقل: ثم أتموا الصيام حتى الليل؛ لأنَّ مراد الله هو أن يفطر الصائم قبل الليل مباشرة، وليس بعد، أو عند دخول الليل.

قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (55) ﴾ سورة البقرة؛ فهم لن يؤمنوا حتى يروا الله جهرة (وليس قبل ذلك)؛ أي حتى تتحقق بالفعل رؤيتهم لله جهرة.

ومن بلاغة القول في القرءان؛ أنه تم ذكر لفظي: (حتى، إلى) في الآية الكريمة: ﴿ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ من الآية (187) سورة البقرة؛ وفي ذلك دليل على أنَّ كليهما ليس بمعنى واحد.. لم يقل ـ سبحانه وتعالى ـ : وكلوا واشربوا إلى أن يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود..ولكن قال ـ عز وجل ـ : ﴿ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ﴾

لماذا جاء لفظ: (حتى)؟

لأنَّ مراد الله هو أن يأكلوا ويشربوا، وحين يأتي الوقت الذي يتبين لهم فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر؛ أي حين يدخل هذا الوقت بالفعل عنده يبدأ الصيام؛ ثم يتموا الصيام إلى الليل. ولو جاء: (حتى الليل) لدخل الصيام في الليل كما تبين لنا من قبل..

وفي النهاية

تبين لنا من الآية الكريمة: ﴿ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾

ما يلي من البلاغة:

(إلى) لا تدل على الزمن المتصل؛ لذلك جاء معها (أتموا) الذي دلَّ على أنه صيام متصل (غير متقطع).

(حتى) تدل على الزمن المتصل (غير المتقطع)، والدخول في الزمن الذي يليها؛ لذلك قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ﴾.

لماذا جاءت حتى وليست إلى؟

لأنَّ الله ـ عز وجل ـ لم ينهَ عن الأكل والشراب في أي وقت من الزمن الذي يكون عنده إفطار الصائمين إلى أن يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

أما (إلى) التي لا تدل على الزمن المتصل فهي تحتاج إلى شئ يقترن بها ليدل على الزمن المتصل؛ كما في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ ﴾؛ نلاحظ أنَّ لفظ: (أتموا) جاء مع لفظ: (إلى) ليدل على أنَّ مدة العهد متصلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart