قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ(١) ﴾ المجادلة.
مرة جاء لفظ: (سمع) في الماضي، ومرة أخرى جاء في صيغة المضارع: (يسمع)، ونُسب الَّفظان إلى الله ـ تعالى ـ .
أليس اللهُ – تعالى – مُنزه عن الزمان والمكان؟!
وجود الزمن في الفعل: (سمع، يسمع) وكلاهما عائد على الخالق – عز وجل – ليس معناه أن الزمن يمر على الله.
نعلم أنَّ الله أحاط بكل شئ علمًا قبل أن يكون، ومن دقة كلامه أن جاء لفظ: (سمع) في الماضي؛ ليبين لنا أنَّ الله ـ تعالى ـ علم بالحوار قبل أن يكون.
ملحوظة
استخدامي للفظ: قبل؛ هو للتقريب، وليس لأنَّ الزمن يمر على الخالق.
فالألفاظ الزمنية، مثل: (قبل، بعد)؛ إنَّما هي ألفاظ زمنية تأتي لتصف الحدث للمخلوقات؛ التي يتأثر علمها بالزمن الَّذي يمر عليها: (الماضي، الحاضر، المستقبل) فيأتي اللفظ الذي يصف الحدث متوافقًا مع الزمن الَّذي يمر عليها.
وربما من هنا أقول
جاء لفظ: (يسمع) في صيغة الحاضر (أي المضارع) لتكتمل دقة كلام الله.
فاللهُ ـ تعالى ـ وصف زمن الحوار لأنه يخاطب النبي – عليه الصلاة والسلام – لأن الخطاب يأتي إلى النبي الذي يمر عليه الزمن.
ولم يكن الخطاب وصفًا لزمن مر، أو يمر على الخالق؛ لأن الله هو خالق الزمن.
ولكن الله يقول: ﴿ قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا ﴾ وفي موضع ءاخر جاء ﴿ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ ﴾ أليس في هذا ما يبين للنبي أنَّ الزمن عائد على الله – تعالى – ؟!
لقد اختلف زمن الحوار (وهذا من بلاغة القرءان) لأن الله – عز وجل – يُخاطب النبي الذي يأتيه الحوار فيصف له زمن الحدث حسب: الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ أي وقت حوار المرأة التي كانت تجادل النبي في زوجها، وتشتكي إلى الله؛ هو زمن مر، أو كان يمر على النبي – عليه الصلاة والسلام – وليس على الله – سبحانه وتعالى -.
كيف ذلك؟
لقد جاء الزمن الحاضر في فعل: (يسمع) ليصف الزمن الَّذي يمر على النبي، وليس ليصف زمن يمر على الله (اللهُ ـ تعالى ـ لا يمر عليه زمن).
والدليل قول الله ـ عز وجل ـ : ﴿ قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا ﴾ وقوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ ﴾ كلاهما كان وصفًا لحدث واحد وهو: زمن الجدل الذي هو ذاته زمن الحوار؛ لهذا: (سمع، يسمع) يصفان حدثًا واحدًا.
اللهُ ـ تعالى ـ يُوحي للرسول ﷺ الَّذي يمر عليه الزمن بأقسامه: (الماضي، الحاضر، المستقبل) لهذا فإن (سمع، يسمع) يحتويان على زمن لأنهما يصفان للنبي لحظات الحوار التي مرت، أو كانت تمر عليه.
وهذا من دقة البيان في القرءان أن جاء اللفظان متوافقان مع الحدث الخاص بالنبي – عليه الصلاة والسلام -.
إذًا (سمع، يسمع) هما للنبي لأنه يمر عليه الزمن، هما لمخاطبة النبي حسب الزمن الَّذي مر أو كان يمر عليه.
فكان الوصف الزمني متوافقًا مع ذلك الحدث (وصف زمني يعود على النبي، وليس على الخالق)؛ لأن الله – تعالى – يخاطب النبي الذي يتلقى الوحي في الزمن.
(سمع)؛ أي سمع الحوار الذي انتهى بينك وبين المرأة التي كانت تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله.
ولأن الحوار بالنسبة للنبي انتهى؛ جاء الوصف باستخدام لفظ: (سمع).
ولحظة الحوار بالنسبة للنبي كانت في الحاضر؛ فجاء الوصف: (يسمع) أي لحظة الحوار التي تمر بك أيه النبي حين كانت المرأة تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله فاعلم أنّ الله يسمع تحاوركما.
كلها أوصاف زمنية للنبي المخلوق وليس لله الخالق.
والله أعلم.