من الألفاظ التي تشابهت حروفها، وقد يخلط البعض في استخدامها في قولهم.
هذان الألفاظ أراهما من الألفاظ التي تدل على أنَّ ألفاظ القرءان لا يمكن أن تتطابق (وإن تشابهت).
لا شك أنَّ نتدبر القرءان هو السبيل لاستنباط معاني ألفاظه؛ وحين يوفقنا الله تعالى على ذلك؛ فإن هذا يجعلنا أكثر قدرة بإذن الله على الفقه الصائب لتلك الألفاظ، وفقه المراد من الآيات.
اللهُ تعالى نزل القرءان لنتأثر بما فيه من حق، وهذا يأتي بعد فقه المراد من الآيات الكريمة.
لقد أمرنا اللهُ عز وجل بتدبر القرءان لإدراك ما به من بلاغة البيان، وبلاغة الألفاظ التي جاءت فيه.
وكيف يتحقق ذلك؟
من خلال استنباط دلالات الألفاظ، وبلاغة موضع كل لفظ منها.
وماذا حين يتحقق ذلك؟
نستيقن أنه كلام الله الذي أحكم ءاياته فيزداد المؤمن إيمانًا.
ويمكنه أن يرد على من يزعمون وجود اختلاف بين ءايات القرءان.
ليس هذا فقط؛ إنَّ تدبر القرءان يساعدنا كذلك على استنباط ما فيه من حق الذي يبين لنا الفهم الصائب، وكيف نتعامل مع مواقف الحياة.
وكذلك يمكن تدبر القرءان الناس على التعبير في القول بشكل أكثر بلاغة وبيان؛ بما يساعد بدوره في حسن القول والفعل.
ومن الألفاظ التي تشابهت في حروفها، والتي لا نستنبط دلالاتها إلَّا بتدبر الآيات؛ لفظي: (ينفذ، وينفد).
لقد تشابهتا في الدلالة مثل ما تشابهتا في الحروف إلى الدرجة التي جعلت البعض يخلط بينهما في القول.
كيف نستنبط دلالة لفظ: (ينفذ) من القرءان؟
ينفذ: تعنى تجاوز الشئ من داخله؛ أي النفاذ من داخل الشئ، أو اختراقه حتى يتم الخروج منه، مثل: اختراق أقطار السموات والأرص؛ أي الخروج من أقطارهما.
وهذا نتبينه من قول الله- تعالى – : ﴿ يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ (٣٣) ﴾ الرحمن.
وما المراد من لفظ: (ينفد)؟
لفظ: (ينفد) وما يُشتق منه تم ذكره أكثر من مرة في القرءان الكريم.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ ﴾ من الآية (٩٦) سورة النحل؛ ينفد بمعنى ينتهي.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا (١٠٩) ﴾ الكهف؛ ينفد البحر؛ أي ينتهي ماؤه، ولكن لا تنتهي كلمات الله.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ إِنَّ هَٰذَا لَرِزۡقُنَا مَا لَهُۥ مِن نَّفَادٍ (٥٤) ﴾ ص؛ رزق الله لأصحاب الجنة لا ينتهي أبدًا.
قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ (٢٧) ﴾ لقمان؛ وعلى عظم السبعة أبحر؛ وكذلك شجرة أقلام تسطر؛ تنتهي السبعة أبحر، وشجرة الأقلام؛ ولا تنفد (تنتهي) كلمات الله.
ونحن نعقل هذا؛ فلا يمكن أن تنتهي كلمات الله أبدًا، والدليل لفظ: (ما) الَّذي ينفي نفيًا تامًا يشمل كل الأزمنة.
ينفذ: هي تجاوز المكان كاملًا، بمعنى الخروج منه.
أما ينفد: فهي انتهاء المقدار، مثل: نفاد مقدار ماء البحر أو شجرة أقلام، أو ما عند الناس من رزق في الحياة الدنيا.
والله أعلم.