(الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالًا من الله واللهُ عزيز حكيم)!
هذه الرواية التي يقولون: إنَّها كانت من القرءان، ثم نُسخت تلاوة، وبقي حكمها.
أي لم تعد موجودة في كتاب الله، ولم تُكتب في كتاب الله؛ لذلك لا نتلوها، ولكن يقولون: حُكمها باق يطبقونه!
سنتبين بإذن الله ألفاظها ونقارنها مع دقة الألفاظ في كتاب الله.
علما بأنَّ هذه الرواية جاءت في عدة مواضع بألفاظ أخرى (جاءت بأكثر من صيغة!).
ما هو المُراد من الرواية؟
تبين الرواية أنَّ في الإسلام تُوجد عقوبة الرجم حتى الموت للزانية المتزوجة، والزاني المتزوج!
وفي بحثنا لن استخدم لفظ المُحصنة للتعبير عن المتزوجة فقط؛ لأنَّ هذا اللفظ لا يعني المرأة المتزوجة فقط، ولا يُشير إلى الزواج؛ بل كل امرأة لم تتزوج، وأحصنت نفسها ضد أن يصل إليها أحد؛ هي مُحصنة.
والمتزوجة التي أحصنت نفسها ضد أن يصل إليها أحد غير زوجها؛ هي كذلك مُحصنة.
(الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالًا من الله واللهُ عزيز حكيم)!
ماذا عن دقة الألفاظ في الرواية إذا ما قارنها مع الألفاظ في القرءان؟
لفظ البتة لم يتم ذِكره في القرءان أبدًا!
لكن ربما لا يكون ذلك سببًا كافيًا لرد الرواية.
أما لفظ الشيخ؛ فالثابت في القرءان أنه يُشير بشكل قاطع إلى كبير السن، ولا يعني الإنسان المتزوج من قريب، أو بعيد.
الشيخ لا يعني المتزوج حتمًا.
فهناك شيوخ لم يتزوجوا، فهل لو زنى أحدهم يتم رجمه لأنَّه شيخ؟!
أم يُجلد لأنَّه غير متزوج؟!
هذا لم تُبينه الرواية حين اختلطت فيها الأمور؛ لأنَّها جعلت الرجم للشيخ، والشيخة في حُكم العام سواء كان الشيخ متزوج، أو غير متزوج، والشيخة متزوجة، أو غير متزوجة!
الرواية باستخدامها لفظي: (الشيخ، والشيخة) لم تفرق بين المتزوج، وغير المتزوج، وهذا من الأمور المستغربة فيها!
كما أنَّ الرواية لم تذكر عقوبة الشاب الذي يزني وهو متزوج، إنَّ ذلك يُبيِّن كذلك عدم دقة الألفاظ في الرواية بشكل لا يقبل الجدل أبدًا!
وماذا عن لفظ (الشيخ) في القرءان؟
لنتبين لفظ (الشيخ) في القرءان؛ أذكر قول الله – تعالى – : ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ (٦٧) ﴾ غافر، شيوخًا جمع شيخ، والشيخ كما يتبين لنا هو: من تقدم في السن، وليس المُتزوج.
وقد علمنا من قبل أنَّ الألفاظ في كتاب الله لا تحمل إلَّا معنى واحد بيِّن، وقاطع لا يقبل التأويل بأي حال من الأحوال؛ لئلا يختلف الناس في كلام الله، ومراده من الآية.
وماذا عن لفظ (الشيخة) في الرواية؟ إنه يُشير إلى المرأة المتزوجة!
والغريب أنَّ لفظ (الشيخة) لم يرد في القرءان أبدًا (وكأن من وضع الرواية لم يتنبه لذلك).
هل ذَكر القرءان لفظ (الشيخة) في ءاياته؟
لا، لم يتم ذِكره في القرءان.
إذًا ما اللفظ الذي أشار في كتاب الله إلى المرأة التي تقدم بها العمر؟
لقد أشار القرءان إلى المرأة كبيرة السن بلفظ (عجوز) قال اللهُ – تعالى – : ﴿ قَالَتۡ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٞ وَهَٰذَا بَعۡلِي شَيۡخًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عَجِيبٞ (٧٢) ﴾ هود.
عجوز أي تقدم بها السن؛ فلفظ (عجوز) لا يعني المتزوجة – حسب ما جاء في القرءان -.
وبالتالي: ليست كل عجوز متزوجة!
لذلك لفظ (الشيخة) الذي جاء في الرواية يُثير الشك؛ بل والريبة في كون الرواية من القرءان!
هل لو زنى شاب متزوج ينطبق عليه الحكم الذي ورد في الرواية؟!
لو قال إنسان نعم ينطبق عليه الحكم!
فقد أول بما ليس في الرواية، ووضع الناس أمام اختلاف حقيقي؛ لأن الرواية تقول: (الشيخ)؟!
ومن البديهي طرح هذا السؤال عليه؛ لعله يتبيَّن: كيف وهو لم يرد في الرواية أصلًا لفظ (شاب)؟!
هل الشاب هو ذاته الشيخ؟! ماذا لو شاب متزوج ثم زنى؟!
أم يكون حُكمه الجلد فقط بالرغم من أنَّه متزوج؛ ليتوافق ذلك مع ألفاظ الرواية: (الشيخ والشيخة..) التي تخلو من الدقة، والبلاغة؟!
وماذا عن امرأة صغيرة متزوجة إن زنت؟!
هل تُرجم أم لا؛ لو قالوا: تُرجم لأنها متزوجة؛ فهذا يُخالف الرواية التي قالت: (الشيخة) ولم تقل: (الشابة) ولم تقل: (المتزوجة)!
أطرح هذا السؤال
أليست العبرة في تطبيق حد الرجم في حالة الزنى كما يقولون: هو الزواج، وليس السن؟!
إذا كانت الرواية حقًا تحوي تلك التناقضات اللفظية، والبيانية؛ إذًا في الرواية (حسب ألفاظها) اختلافات لا يُمكن معها رد معاني هذه الألفاظ ولو بالتأويل!
فكيف تكون هذه الرواية قرءان من عند الله الذي أحكم ءاياته؟!
بل تلك الرواية ليست من كلام الله؛ بل هي قول بشر.
ومن الأمور الأخرى التي تطعن في أنَّ الرواية من القرءان
(ال) التعريف فهي تعني أنَّ الشيخ رجل محدد، ومعروف لدى الناس، وأنه سيزني في المستقبل، والناس يعلمون ذلك؟!
إنه لشئ عجيب؟!
وكذلك الأمر بالنسبة للفظ (الشيخة) جاء مُعرفًا بالألف واللام؛ مما يعني (حسب قواعد اللسان العربي المبين) أنَّ الناس يعلمون المرأة، ويعلمون أنها ستزني في المستقبل؟!
وهذا لا يجوز قبل حدوث الزنى، ووجود شهود عليهما!
ألا يُخالف ذلك قواد البيان في القرءان الكريم؟!
فكيف يقولون: إنه من عند الله، ويردون به ءايات بينات في القرءان الكريم بينت عقوبة الزنى بدقة بالغة؟!
إذًا الرواية من عدم بلاغة ألفاظها، وبيانها تتحدث عن فردين معروفين لدى الناس قبل أن يزنيا!
والدليل (ألف لام التعريف) التي تُشير في اللسان العربي المبين إلى شئ محدد (معروف)، وليس شيئًا مجهولًا!
إنَّ هذه اختلافات بيِّنة في ألفاظ الرواية التي يُفترض أنَّها من عند الله كما يقولون!
ومن الأخطاء التي جاء في الرواية لفظ (إذا) الذي جاء في غير موضعه
مثل الألفاظ الأخرى التي وردت في الرواية (الشيخ والشيخة إذا زنيا..)..
فالموضع يُناسبه لفظ: (إن) وليس: (إذا).
كيف ذلك؟
نعلم أنَّ لفظ: (إن) يُفيد الشك أي لا نجزم بحدوث ما بعد (إن) المخففة (التي لا تعني حتمية حدوث ما بعدها).
ويُمكن أن نتبين ذلك من دقة الألفاظ، ومواضعها في القرءان:
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ ﴾ من الآية (٢٣٠) البقرة.
حسب بلاغة البيان في الآية؛ ليس مؤكدًا أن يُطلقها زوجها، كذلك ليس مؤكدًا أنَّهما سيُقيمان حدود الله (لأن ذلك في علم الله وحده).
لكن الأمر يختلف مع (إذا) لأنَّها تعني أنَّ ما بعدها سيتحقق:
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّي تُبۡتُ ٱلۡـَٰٔنَ ﴾ من الآية (١٨) النساء.
ذلك من بلاغة الألفاظ، ودقتها في القرءان؛ جاء لفظ: (إذا) وليس: (إن) لأن كل إنسان سيموت (ولا شك في ذلك).
فجاء اللفظ: (إذا) لأن ما بعده سيتحقق، وليس: (إن) التي تُفيد الشك.
لكن في الرواية التي يُفترض أنَّها من كلام الله حسب قولهم!
فبدلًا من أن يأتي لفظ: (إن) الذي يُفيد الشك في حدوث الزنى في المستقبل؛ استخدمت الرواية لفظ: (إذا) الذي يُعبر عن الشئ الذي سيحدث في المستقبل؟!
الرواية كانت تتحدث عن شئ مشكوك في حدوثه، وليس عن شئ سيحدث لا محالة؟! فالرواية تتحدث عن أمر في المستقبل لا ندري سيحدث، أم لا؟!
والدليل قول الرواية: (إذا زنيا)؟!
الزنى لم يحدث بعد، مشكوك في حدوثه، ولا يعلم الناس من سيزنيان؛ ثم نجد الرواية غير البليغة عبرت بلفظ: (إذا) الذي يعني أنَّ الزنى سيحدث في المستقبل (لا محالة) من اثنين معروفين للناس بأنَّهما سيزنيان في المستقبل!
وهذا اختلافًا لا يمكن أن يكون في ءايات الله.
(الشيخ والشيخة إذا زنيا فأرجموهما البتة نكالًا من الله واللهُ عزيز حكيم!)
إنَّ هذا تناقض في البيان لا يُمكن أن يكون من عند الله أبدًا.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا (٨٢) ﴾ النساء؛ إنَّها ؤاية من المُحكمات تنفي أن تكون هذه الرواية كانت من كتاب الله؛ لأنَّ بها اختلافًا كثيرًا.
رجم الزاني المتزوج، والزانية المتزوجة دون أن يكون ذلك حدًا من عند الله؛ هو قتل للنفس دون حق؛ لأن الله – تعالى – لم يأمر بذلك.
كيف في أشد عقوبة ينسبونها للإسلام لا تكون الأحكام التي تُبينها موجودة في كتاب الله؟!
من أخذ بحكم القرءان سيطبق عقوبة الجلد، ومن أخذ بالروايات سيطبق الرجم في حق المتزوج (وهو حد لا يوجد في كتاب الله الذي بين أيدينا، بل مستمد عن طريق رواية ظنية تبيَّنا دقة ألفاظها مع دقة كلام الله تعالى؛ فوجدنا فيها اختلافًا كثيرًا!
فلمن الحجة يوم القيامة على الناس للروايات الظنية التي تُخالف ما في كتاب الله، أم لكتاب الله البيِّن القاطع في أحكامه؟!
قطعًا الحجة لكتاب الله؛ لأنَّ حكم الله الذي في كتابه سيُحاسب عليه الإنسان يوم القيامة؛ فيكون حجة له، أو حجة عليه.
أما الرواية إن خالفت القرءان فلن تكن حجة لمن يؤمنون بها.
قال اللهُ – تعالى – : ﴿ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤۡمِنُونَ (٦) وَيۡلٞ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ (٧) يَسۡمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسۡتَكۡبِرٗا كَأَن لَّمۡ يَسۡمَعۡهَاۖ فَبَشِّرۡهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٖ (٨) وَإِذَا عَلِمَ مِنۡ ءَايَٰتِنَا شَيۡـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ (٩) مِّن وَرَآئِهِمۡ جَهَنَّمُۖ وَلَا يُغۡنِي عَنۡهُم مَّا كَسَبُواْ شَيۡـٔٗا وَلَا مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠) هَٰذَا هُدٗىۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ عَذَابٞ مِّن رِّجۡزٍ أَلِيمٌ (١١) ﴾ الجاثية.
﴿كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ (٣) ﴾ فصلت.
فكيف يكون في كتاب الله ءايات نزلت ثم رُفعت وبقي حكمها؟!
هذا يُخالف كلام الله الذي أكد أنَّه حفظ الذكر، وأنه لا تبديل لكلمات الله ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ (٩) ﴾ الحجر.
والله أعلم