A peaceful mosque interior featuring a backlit window, rehal stand, and intricate architecture.

نسخ الآيات في القرءان.

اختلف العلماء حول وجود نسخ للآيات في القرءان الكريم..منهم من قال بالنسخ، ولكن اختلفوا حول ماهي الآيات المنسوخة؛ وبالتالي: اختلفوا حول عددها (أي لم يتفقوا على الآيات المنسوخة) وذلك شئ عجيب؟!

ءايات القرءان تحوي أحكامًا، وشرائع لا يمكن أن يتجاهل المؤمنون تطبيقها؛ فإن القول بنسخ ءايات القرءان ثم الاختلاف في ما هية تلك الآيات؛ من شأنه أن يؤثر على أحكام الله ـ تعالى ـ  لعباده.

ومن هنا يمكن القول: رأيهم لا يعتد به لأن ءايات القرءان التي تحوي أحكامًا، وشرائع، مثل: أحكام النكاح، والطلاق، الشهادة، الميراث، الحدود.. لا يمكن أن نجعلها موضع خلاف بين الناس.

ومن العلماء من قال: لا يُوجد نسخ في القرءان..

وهؤلاء أراهم على صواب.

ما هو مفهوم النسخ في القرءان الكريم؟

نتبين الإجابة في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) ﴾ البقرة.

الآية تعني نسخ أحكامًا في التوراة، والإنجيل بآيات من القرءان.

من أمثلة ذلك: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) ﴾ النساء.

فجاء القرءان وأحلها للمؤمنين.

كذلك القرءان نسخ الآيات الحسية التي كانت من قبل مُعجزات لمن سبق من الرسل وأصبح القرءان هو المعجزة الباقية.

ماذا نتبين من ذلك؟

فعليًا القرءان نَسخ ما قبله من أحكام وشرائع نزلت من قبل في التوراة، والإنجيل.

أما ما يبدو أنه نسخ ءايات القرءان لبعضها؛ إنَّما هو:

إمَّا أحكام مُتدرجة، مثل: التدرج في النهي عن شرب الخمر؛ لأنَّ الخمر مُحرم منذ ءادم والأنبياء (عليهم السلام) ولم يتم تحريمه فقط بعد نزول القرءان.

ولكن ماحدث في زمن النبي ﷺ كان تدرجًا في النهي عن شرب الخمر، ولم يكن تدرجًا في تحريم شرب الخمر.

لأن التحريم سبق نزول القرءان.

ولماذا كان هناك تدرج في النهي عن شرب الخمر، ولم يتم النهي عن شربها مرة واحدة؟

ذلك لأن الله رءوف بالناس، يعلم ما يناسبهم، ويعلم كيف تطبق شرائعه بما يتوافق مع حياتهم.

قوم النبي ﷺ قبل أن يُنزل القرءان اعتادوا على شرب الخمر، وصارت عندهم أشبه بالشاي، والقهوة عندنا، لا يعلمون كونها حلالًا، أم حرامًا، هي عندهم من ضمن ما اعتادوا عليه في مجتمعاتهم.

ليس ذلك السبب الوحيد في النهي المتدرج عن شرب الخمر، إنما هناك سبب ءاخر.

فمع ما يُحدثه الخمر من تأثير على الجسم؛ فقد يحتاج الإنسان إلى وقت لكي يتوقف عن شربه.

فكان من المشقة عليهم أن ينتهوا عن شربها مرة واحدة (خاصة وأنَّ الإيمان لم يترسخ في قلوب أغلبهم) لذلك اقتضت حكمة الله أن يأخذ الأمر فترة من الزمن حتى يعتادوا على التقليل من شرب الخمر، ويزداد الإيمان بالله في قلوبهم؛ حينها يأتيهم النهي كاملًا.

وهذا ينطبق على كل من لم يدخل الإسلام في وقتنا الحالي، واعتاد على شرب الخمر؛ فإن أسلم لله؛ فهو في حاجة إلى وقت لكي يتوقف عن شرب الخمر، وربما توقف عن شربه مرة واحدة حسب قوة إيمانه بعد أن علم أنَّ الله حرم الخمر.

هذا عن الأحكام المتدرجة كالتدرج في النهي عن شرب الخمر..

وماذا عن الأحكام غير المتدرجة، كيف نتبين منها أنَّ ءايات القرءان لم تنسخ بعضها؟

من بين تلك الأحكام أحكام تتوافق مع الظروف المختلفة، مثل: الآيات التي ذكرت عدد المسلمين الذين يجب عليهم قتال من يعتدون عليهم؛ قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ (٦٥) ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (٦٦) ﴾ الأنفال.

للمؤمنين (بعد نزول الحكمين) اختيار واحدًا منهما، أو العمل بكليهما إن أرادوا ذلك (حسب استطاعتهم).

فالآية رقم (٦٦) هي تخفيف للحكم الذي جاء في الآية رقم (٦٥)، وليست إزالة لها؛ والمؤمنين يُمكنهما العمل بالحكمين معًا، أو بأحدهما.

قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗا ﴾ لفظ: (الآنية) في الآية خاص بزمن المخلوق (لأنَّه هو الذي يمر عليه الزمن) ولا تعني أنَّ الله علم بعد مرور زمن، ولم يكن يعلم من قبل (عكس ما زعم الذين يقولون: في القرءان اختلاف).

لفظ: (الآن) عاد على المؤمنين، وليس على الله ـ تعالى ـ  خالق الزمن، علم الغيب.

الله لا ينتظر أن يمر عليه زمن حتى يعلم؛ بل سبحانه وـ تعالى ـ  يعلم كل شئ دون زمن – قبل – أن يخلق السموات، والأرض.

ما سبق نتبين منه أنَّ لفظ: ﴿ ٱلۡـَٰٔنَ ﴾ كان عائدًا على الزمن الذي يمر على المخلوق؛ لتعني أنَّه جاءه في تلك الَّحظة (التي يعيشها) حكم التخفيف عليه في القتال.

لفظ: (الآن) بالنسبة للمخلوق، وليس للخالق.

ومن الأحكام الأخرى التي تبدو وكأنها نُسخت؛ الآيات التي تتحدث عن أحكام مختلفة، وليست متشابهة، مثل: الآيات التي تتحدث عن عدة المرأة من ناحية، والآيات التي تتحدث عن بقائها في بيت زوجها بعد وفاته لمدة حول دون إخراج من ناحية أخرى (وقد ذَكرت ذلك في موضوع ءاخر).

ومن الآيات التي قال البعض أنَّها نُسخت؛ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا ﴾ قالوا: إنَّها نُسخت بقول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ ﴾.

لكن حين نكتب الآية كاملةً، يتبين لنا أنَّ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا ﴾ كان مُوجهًا لبني إسرائيل.

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّيۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ (٨٣) ﴾ البقرة.

فمن قال: ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا ﴾ نُسخت بقول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ ﴾ لم يلتفت لسياق الآية الكريمة فاستخدمها في غير موضعها ومرادها؟!

وهذا أحدث بلا شك اختلافًا في مراد الآيات عن مرادها الحق الذي أراده الله ـ تعالى ـ ؛ وذلك لا ينبغِ لأحد.

إذًا حين نتدبر القرءان يتبين لنا أنَّ قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا ﴾ لم يكن موجهًا للنبي (عليه الصلاة والسلام) وللمؤمنين.

أمَّا قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ ﴾ فقد كان أمر الله للنبي (عليه الصلاة والسلام) لرد اعتداء المشركين الذين أرادوا قتل قتله، أو إخراجه ومن معه من المسلمين من بيوتهم، والقضاء على الإسلام (هذا سياق، وذلك سياق ءاخر).

قال الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (٥) ﴾ التوبة.

الأمر بالقتال كان ضد من يعتدي على المسلمين لأنَّ (ال) التعريف لا تعني كل المشركين في كل مكان وفي كل زمان!

وبالتالي: لم توجه ضد المُشرك المُسالم في ذات الزمن، والمكان.

وذلك لا يُخالف ءايات القرءان الكريم أبدًا؛ بل يتوافق معها بدقة بالغة.

نعم، القرءان به ءايات كثيرة تأمر المسلم بمعاملة غير المسلم (المسالم) معاملة حسنة.

ومن الأدلة على ذلك من كتاب الله: ﴿ لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ (٩) ﴾ الممتحنة.

إنها ءايات محكمة لا يُمكن نسخها.

وبذلك كل ءاية لها حكمها الخاص بها، ولا نجد نسخًا بين الآيات وبعضها.

فإما تدرج في الأمر، والنهي، أو أحكام كل حكم فيها يناسب موضع معين، وإما ءايات قطعت من سياقها فبدت وكأنها نُسخت.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart