Stunning view of the Moscow Cathedral Mosque during sunset with a golden dome and minarets.

مفهوم العصمة، والفرق بين المعصية، والخطأ.

البعض يظن أنَّ العصمة هي: أنَّ الله – تعالى – عصم النبي ﷺ  (منعه) من أن يفعل الكبائر، أو يعصيه!

ومن نتائج ذلك القول الذي لا يدل عليه القرءان؛ أنَّ البعض (ممن في قلوبهم مرض) قالوا: إن كان النبي ﷺ لم يرتكب الكبائر، أو

يعصي ربه؛ فذلك لأنَّ الله هو من منعه من فعل الكبائر؛ فلماذا يُحاسب اللهُ الناسَ ولا يمنعهم من فعل الكبائر، والمعصية؛ كما منع النبي ﷺ من فعلها؟!

الله – تعالى – لا يظلم أحدًا، والقول بأنَّ الله عصم النبي ﷺ من فعل الكبائر؛ والمعصية لا نجد عليه دليلًا في القرءان؛ ولا يقبله العقل.

والسؤال

وهل يمكن الظن أنَّ النبي ﷺ، أو النبيِّن – عليهم السلام – يمكن أن يفعلوا الكبائر، أو يعصون رب العالمين؟!

ما هي المعصية؟

المعصية: هي أن يفعل الإنسان شيئًا يعلم أنَّ الله حرمه؛ ثم يصر على فعله !

نعلم أنَّ الله – تعالى – لا يفرق بين الناس؛ فالله يجزي كل نفس بما كسبت؛ و من كانت نفسه تستحل الحرام؛ لن يصطفيه الله لرسالته.

الله اصطفى النبيَّن ﴿ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (٤٧) ﴾ ص.

علم الله أنهم لن يعصوه.

إذًا القول بأنَّ العصمة هي: منع النبي ﷺ من فعل الكبائر؛ والمعصية يتشابه مع ما تزعمه الإسرائيليات؛ بأنَّ النبيِّن كانوا يفعلون الكبائر، ويعصون ربهم، ويشربون الخمر !

وهم أبرياء من ذلك.

الله لا يصطفي من يُريد أن يفعل الكبائر، أو يعصيه؛ لذلك فإنَّ النبيِّن الذين اصطفاهم الله من بين الناس؛ هم أبعد الناس عن معصية الله؛ (الله يعلم أين تكون رسالته) .

وسأضرب مثلًا من الحياة الدنيا

صاحب شركة إن أراد أن يوظف إنسانًا في شركته؛ فإنَّه ينتقي الأفضل خُلقًا و الأكثر كفاءة؛ فما بالنا برب العالمين حين يصطفي عبادًا لرسالاته؟

وهل النبي لا يُخطئ؟

الخطأ ليس دائمًا مفهومًا للمعصية؛ قد يُخطئ النبي ﷺ في تقدير الأمور؛ لأنه بشر، ولكن لا يتعمد الخطأ؛ لأنَّ تعمد الخطأ معصية.

ما هي الأمور التقديرية التي قد يُخطئ فيها النبي دون تعمد، فلا تكون معصية؟

قال الله – تعالى – : ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ (١) أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ (٢) وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ (٣) أَوۡ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكۡرَىٰٓ (٤) ﴾ عبس.

هل النبي تعمد الخطأ؟!

لم يتعمد الخطأ.

ذلك معناه أنَّ النبي ﷺ لم يعصِ ربه؛ إنَّما قدر الشئ بشكل خاطئ دون تعمد الخطأ، ولكن كان يريد الخير.

فبين الله – تعالى – له الحق الذي يحسب به الأمور فيما بعد.

(وذلك من العدل الإلهي الذي لا يدركه بشر).

أراد الله أن يُعلِّم النبي، والمؤمنين مما حدث لئلا يتكرر ذلك في المستقبل.

قال الله – تعالى – : ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (٩٥) ﴾ يونس.

الآية الكريمة تُبين لنا أنَّ النبي ﷺ مثل كل الناس؛ يختار بين الخير والشر، يُحاسبه اللهُ على أعماله.

قال الله – تعالى – : ﴿ وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (٥٢) ﴾ الأنعام؛ لو كان معصوم في كل أعماله؛ كيف يُخاطبه الله ويُحذره؟!

ولكن متى نقول الرسول معصوم من الخطأ؟

حين يُبلغ الرسالة؛ فلا يُمكن للرسول (بقدرة الله) أن يُخطئ في تبليغها.

قال الله – تعالى – : ﴿ لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦٓ (١٦) إِنَّ عَلَيۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ (١٧) فَإِذَا قَرَأۡنَٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيۡنَا بَيَانَهُۥ (١٩) ﴾ القيامة.

فالله هو من تكفل بجمع القرءان، وأن يُقرأ كما نُزِّلَ، وبيانه، وحفظه.

أما قول الله – سبحانه وتعالى – : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ ﴾ من الآية (١)

الطلاق؛ فهو يتحدث عن أمر من أمور الحياة الدنيا التي يكون فيها اختبارًا للنبي وللمؤمنين؛ وهذا يخضع لمدى تقوى كل إنسان لله، والاستجابة لأمره.

ولا شك أنَّ النبي ﷺ هو أول من يتبع أمر ربه.

ما المراد بقول الله – تعالى – : ﴿ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ من الآية (٦٧) المائدة؟

ذكرنا أنَّ الله يعصم الرسول – عليه الصلاة والسلام – من الخطأ في تبيلغ الرسالة؛ وليس من فعل المعصية.

النبي ﷺ لا يعصي الله لأنَّه أكثر الناس إيمانًا بربه، وأكثرهم تقوى لله، واستجابة لأمره.

النبي ﷺ ليس أقل من الصالحين الذين يتجنبون فعل الكبائر، ومُخالفة أمر الله بقوة إيمانهم وتقواهم لربهم؛ بل هو أكثرهم تقوى لربه.

قال الله – تعالى – : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ (٤) ﴾ القلم.

يقول البعض: إنَّ الله عصم النبي ﷺ من فعل الكبائر، والمعصية فلن يتمكن النبي ﷺ (ولو أراد) من معصية الله، وفعل الكبائر !

ألا يُخالف قولهم هذا قول الله – عز وجل – : ﴿ لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا (٢١) ﴾ الأحزاب.

نقول لهم: كيف من هو فيه أُسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر؛ يمنعه الله من فعل الكبائر، والمعصية (الخطأ المتعمد) ؟!

ومن هم أقل منه في الإيمان، والتقوى؛ لا يفعلون الكبائر بإرادتهم!

إنما القول الذي نتبينه من ءايات القرءان أنَّ النبي ﷺ لم يُفكر في فعل الكبائر، أو مُخالفة أمر ربه.

(هناك بحث سنفرق فيه بإذن الله؛ بين: الخطأ، والمعصية، ومعرفة ما هو المراد بلفظ: الذنب)

لقد كان لنا في موقف يوسف – عليه السلام – عبرة، وموعظة حين اعتصم بإيمانه، وتقواه لربه؛ فلم يصبُ لامرأة العزيز حين راودته

عن نفسه؛ قال الله – تعالى – : ﴿ قَالَتۡ فَذَٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمۡتُنَّنِي فِيهِۖ وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ فَٱسۡتَعۡصَمَۖ ﴾ من الآية (٣٢) يوسف؛ كان يُذكرها بأنه يتقي الله؛ فلم يستجب لها.

وكيف يستجيب لنداء المعصية وهو نبي اصطفاه الله، وقال عنه: ﴿ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ ﴾ من الآية (٢٤) يوسف.

نلاحظ أنَّ الابتلاء حدث أولًا، وبعد أن استعصم، وقاوم الفحشاء (مُخلصًا لله) أنجاه الله منها.

فصار ذلك عبرة للناس يتعلمون منه أنَّ الإيمان بالله، والإخلاص له؛ يكون سببًا لنجاة الإنسان (بإذن الله) من الوقوع في المعصية.

معنى العصمة من كتاب الله

﴿ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةِۭ بِمِثۡلِهَا وَتَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمٖۖ كَأَنَّمَآ أُغۡشِيَتۡ وُجُوهُهُمۡ قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مُظۡلِمًاۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ (٢٧) ﴾ يونس.

العصمة هي أشبه بمن يتحصن، أو يحفظ نفسه من الوقوع في المعصية.

 وهذا فعل الصالحين، ومن باب أولى فعل من هم أكثر تقوى لله ـ تعالى ـ ؛ ألا وهم الأنبياء – عليهم السلام ـ.

معنى العصمة يمكن أن نتبينه (بوضوح) من قول الله – تعالى – : ﴿ قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ

ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ (٤٣) ﴾ هود؛ يعصمني من الماء؛ بالمعنى الدارج: يحفظه من الماء؛ فلا يُدركه (تلك هي العصمة) .

وفي قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ من الآية (١٠) الممتحنة؛ أجد فيه بيانًا ءاخر لمفهوم العصمة؛ فالعصمة هي التي تمنع المرأة من أن ينكحها ءاخر ما دامت بعصمة زوجها.

﴿ قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوٓءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةٗۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرٗا (١٧) ﴾ الأحزاب؛ بالتعبير الدارج (من يمنعكم، ويحفظكم من إرادة الله).

وفي النهاية

النبي ﷺ هو بشر يتعرض للابتلاء، وفي علم الله أنَّه لن يعصي ربه، وأنَّه هو أكثر البشر تقوى لربه، وخوفًا منه؛ لذلك اصطفاه الله – تعالى – لأكبر رسالة للإنس والجن.

فلا يتم التقليل من ذلك ولا توهموا الناس بأن النبي ﷺ لم يفعل الكبائر لأن الله منعه من فعلها !

بل لم يفعل الكبائر، أو المعصية؛ لأنَّه عاش وهو يتقى الله ربه، ويخاف يوم الحساب، وأخلص لخالقه، وكان يخشع لله حتى يأتيه البكاء من خشية ربه.

فكيف يفكر بعد ذلك في فعل كبيرة، أو معصية؟!

حين جاء لفظ: ﴿ يعصمك ﴾ جاء في قول الله – تعالى – : ﴿ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ .

معناه: لن يستطيع أحد من الناس أن يضر النبي ﷺ في الحياة الدنيا.

والله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart