من الناس من يظن أنَّ ختمه لقراءة القرءان أكثر عدد ممكن في شهر ـ واحد ـ هدف سيُثاب عليه!
وقد لا يُدرك أنَّه قد حرم نفسه من تبين الحق، واستنباط بلاغة القرءان، ومُعجزاته البيانية التي تزيده إيمانًا.
ذلك مثله كمثل من يدعو الله بلسانه دون أن يخشع قلبه في دعائه.
وليعلم أنَّ كثرة ختم قراءة القرءان في وقت قليل دون تدبر؛ ليس هو الهدف من قراءة القرءان.
لماذا؟
لأن قراءة ءايات الله يجب أن تكون باطمئنان، دون أن يتعجل الإنسان في قراءتها؛ لهذا قال الحق ـ عز وجل ـ : ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن
سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ
وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ (20) ﴾ المزمل.
إنَّ سرعة قراءة القرءان تتنافى مع قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ ﴾.
نعم، فدون أن يتذكر القارئ أنه يقرأُ كلام الله؛ وأنه ليس عليه بالتعجل في قراءته؛ فليعلم أنَّ هذا يتنافى مع قدسية القرءان، والهدف من قراءته.
إنما أمرنا الله بتدبر القرءان ـ وليس بكثرة ختمه في أقل وقت ودون تفكر ـ : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا (82) ﴾ النساء.
وهذا لا يتوقف إلى أن تأتي الساعة: ﴿ سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ
شَهِيدٌ (53) ﴾ فصلت، فلا يُمكن أن ينتهي تدبر القرءان في أي وقت من الأوقات، ولا يُمكن أن يتحقق ذلك بكثرة ختم قراءته دون أن يعي الإنسان ما يقرأه من الحق.
وكيف سيُدرك الحق، وأنه لا اختلاف في القرءان؛ وهو يتعجل قراءته ليختمه أكثر عدد من المرات في الشهر؟!
إنَّ قراءة القرءان بتدبر تجعلنا نستنبط الحق الذي تحمله الآيات الكريمة، وما فيها من معجزات بيانية (لا تُحصى).
ومن لم يُدرك الحق الذي أراده الله ـ عز وجل ـ من ءاياته، فقد حرم نفسه من أن يكون القرءان منهجًا لحياته.
﴿ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ (29) ﴾ ص.
يتبين لنا من الآية؛ أنَّ التذكر لن يتحقق إلَّا بالتدبر.
كما نتبين من الآية لكريمة؛ أنَّ تدبر ءايات الكتاب هو أمر من الله ـ سبحانه وتعالى ـ .