هل يُمكن استبدال لفظ في القرءان بلفظ ءاخر؛ أم أنَّ ذلك سيغير المعنى؛ وبالتالي: سيغير المراد من الآية؟
في الآية (١٩٦) من سورة البقرة، تم تفسير لفظ: (كاملة) في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾ بأنَّه: فاضلة، وقالوا: (فاضلة) تدل على أنَّ أجر من لم يجد الهدي (الأنعام التي يتم ذبحها في الحج)، وصام عشرة أيام (بدلًا من الهدي)، هو ذاته: أجر من وجد الهدي، لا يُنقص منه شيئًا..
والسؤال الَّذي نبحث عن إجابته هنا: لو تم استبدال لفظ في الآية (لتبيُّن معناه، والمراد من الآية) بلفظ ءاخر؛ هل يُمكنه أن يُحافظ على معنى الَّفظ الَّذي جاء في الآية؛ وبالتالي: يُحافظ على المراد منها، ودقة البيان فيها؛ أم لا؟
لأنَّ القرءان دقيق في ألفاظه؛ ولأنَّ لكل لفظ معناه الخاص به؛ فلكي نتبيَّن حدوث تغيير في المعنى والمراد من الآية؛ نعود إلى لفظ: كاملة، لنتبيَّن معناه من ءايات القرءان، وليس مما هو دارج بين الناس..
في موضوع سابق، وجدناه قد دلَّ على الشئ الَّذي يأتي متقطعًا، وليس الشئ الذي يأتي مرة واحدة، مثل: المدة غير المتصلة، أو العدد الَّذي تنفصل معدوداته عن بعضها؛ فلا تكون متتالية، مثل: انفصال العدة عن شهر رمضان بيوم العيد.
قال اللهُ ـ تعالى ـ : ﴿ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ﴾ من الآية (١٨٥) سورة البقرة.
ومن دقة القرءان أنَّ الله ـ تعالى ـ لم يقل: ولِتُتِموا العدة؛ لأنَّ: (لِتُتِمُوا) تدل على المدة المتصلة، وليست المتقطعة. ونتبين هذا في قول الله – تعالى – : ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِۚ ﴾ من الآية (١٨٧) سورة البقرة؛ ما مِن شَكٍ؛ أنَّ الصيام يكون متصلًا من الفجر إلى الَّيل (لا ينقطع)؛ لذلك جاء لفظ بالغ الدقة يناسب الصيام المتصل، وهو لفظ: (أَتِمُّواْ)، وليس لفظ: (أكملوا) ذلك من دقة البيان في القرءان؛ التي لا نتبيَّنها؛ إلَّا بتدبر ءاياته.
من خلال تدبر القرءان، واستنباط معاني ألفاظه (دون استبدالها بألفاظ أخرى)، والمراد من ءاياته؛ يمكن أن نطرح السؤال التالي:
ما هي الدقة البيانية، والتشريعية التي دل عليها لفظ: (كاملة) في قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾؟
لفظ: (كاملة) في الآية؛ دلَّ على التشريع، وهو: الثلاثة أيام في الحج، يصومها المُحرم متفرقة، ولا يُشترط أن يصومها متتابعة.
وكذلك الأمر بالنسبة للسبعة أيام بعد الرجوع من الحج؛ يصومها متفرقة ولايُشترط أن يصومها متتابعة.
وماذا عن معنى لفظ: (فاضلة)، وهل يُمكن أن يأتيَ بدلًا من لفظ: (كاملة) لنتبيَّن المراد من قول الله – تعالى – : ﴿ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾؟
أم أنَّ ذلك سيُؤدي إلى اختلاف المعنى؛ وبالتالي: سيختلف المراد من الآية الكريمة عن مرادها الحق الَّذي أراده الله ـ تعالى ـ وحينها تضيع (دون قصد) الدقة البيانية والتشريعية؛ التي جاءت فيها؟
فاضلة ليست هي كاملة؛ لأن فاضلة: من الفضل؛ والفضل، هو: العمل الحسن دون مقابل..لكن كاملة تدل على العدد وضدها ناقصة، أو غير مكتملة.
من خلال ما سبق؛ يُمكن أن نستنبط، التالي: بما أنَّ لفظ: (كاملة) يدل على: الفصل بين المعدودات؛ فلا تأتي متتابعة.
أما لفظ: فاضلة، فهو يدل على العمل الحسن دون مقابل، وليس على تتابع الشئ؛ فإنَّ هذا يعني أنَّ الَّفظين مختلفان من حيث الدلالة (المعنى).
إذًا القول بأنَّ كاملة هي: فاضلة، غيرَ (دون تعمد) المعنى الحق للفظ: (كاملة) الَّذي أراده الله ـ تعالى ـ في الآية؛ فغير من دقة البيان، وحالَ دون تبيُّن التشريع في الآية (وهو مُعجزة بيانية)، والَّذي لا يُمكن لنا أن نتبيَّنه؛ إلَّا بوجود لفظ: كاملة (دون استبداله بلفظ ءاخر).
وبهذا نحن نتبيَّن معني: (كاملة) من خلال: البيان الَّذي يتوافق مع دلالة الَّفظ ومراد الآية منه (دون غيره)، وليس من خلال استبداله بلفظ ءاخر لا يُعطي ذات الدلالة.
وبالتالي: استبدال لفظ كاملة بلفظ ءاخر؛ من شأنه أن يُخرج الآية عن مرادها، ويحول دون استنباط دقة بيانها اللفظي، والتشريعي الذي يوصله لنا لفظ (كاملة)، وليس لفظ (فاضلة).
إذًا من دقة البيان في القرءان أنَّ الله ـ تعالى ـ قال: ﴿ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾ ولم يقل ـ سبحانه وتعالى ـ : تلك عشرة فاضلة، أو: تلك عشرة تامة؛ لأنَّ الله أراد بيان الجانب التشريعي في الآية بدقة بالغة تقتضي تبيُّن معنى: كاملة الذي جاء في الآية الكريمة.
والله أعلم.
