يمتلئ القرءان الكريم بالمواعظ والعبر التي حدثت للأنبياء ـ عليهم السلام ـ وللناس في الأزمنة الماضية لنتعلم منها في حياتنا.
لقد تعجب بعض الناس من وجود تلك القصص في القرءان الكريم، وقالوا: ما الحكمة من وجود قصص انتهت في الماضي البعيد؟! مثل: ما حدث لسينا يونس، أو ما حدث لسينا يوسف، وغيرهم من الأنبياء، أو مثل ما حدث لفرعون؟!
لقد ظنوا أنَّ القرءان كتاب يحتوي فقط على عبادة الله، وكيفية إقامة الشعائر كالصلاة، وأنباء يوم القيامة؛ وأنَّ القرءان ليس كتابًا للقصص، أو الحديث عما حدث للبشر!
ولكن ليعلموا أنَّ القرءان ليس كتاب للفرائض، أو الذكر فقط، فحين يحوي القرءان على الكثير من المواعظ والعبر؛ ذلك ليتعلم منها الناس ما ينفعهم، وما يعينهم في حياتهم ويجعلهم أكثر قدرة على الصبر عند الإبتلاء، وأكثر قدرة على تأدية الشعائر؛ بل وأكثر إيمانًا.
فالإنسان دائمًا يحتاج إلى أن يتعلم ممن سبقوه كيف صبروا في الإبتلاء، وماذا فعلوا في المواقف التي تعرضوا لها.
إنَّ القرءان يعلمنا كيف نصبر، وكيف يكون الإيمان الحق من خلال ما يحويه من الكثير من تلك المواعظ والعبر التي حدثت في الماضي لمن سبقونا في الحياة.
وكان أكثر القصص عن الأنبياء لنأخذ منهم العبرة والموعظة؛ فهم قدوة لنا وللناس جميعًا من خلال ما تعرضوا له من مواقف، وقد نقل لنا القرءان بعضًا من تلك المواقف الجميلة لنتعلم منها كيف يكون الإيمان الحق، وكيف يكون الصبر عند الإبتلاء..
من بين تلك المواقف ما حدث لسيدنا يوسف حين كان في السجن بعد أن سجن ظلمًا.
ومع مرور السنين كان صابرًا لم ينقطع أمله في خالقه أنه في يوم سيظهر الحق وتظهر براءته..
ولأنَّ الله مع الصابرين كانت رحمة الله يوسف مضربا للأمثال وكيف يجازي الله الذين صبروا بما لا يخطر على بال الناس أو من جاءه البلاء.
لقد خرج يوسف برحمة الله من السجن، وظهرت براءته؛ بل خرج من السجن و أصبح عزيز مصر؛ وهو الشئ الذي لم يتوقعه أحد من الناس ولا سيدنا يوسف نفسه.
يوسف ـ عليه السلام ـ سُجن ظلمًا، لكن حين طلب الملك فتواه؛ نلاحظ أنَّ يوسف – عليه السلام – لم يستغل الموقف ليخرجوه من السجن؛ بل أفتاهم بتأويل الرؤية ولم يشترط عليهم خروجه من السجن أولًا، أو حتى أن يذكره الرسول عند الملك أنَّه تم سجنه ظلمًا؛ بل أفتاهم بخلق الأنبياء – عليهم السلام – وما يجب أن يكون عليه المؤمن.
وعندما أراد الملك أن يستخلصه لنفسه من بعد ما وجد فيه خلقًا، وعلمًا؛ لم يفرح سيدنا يوسف بالخروج من السجن، أو يتشبث بفرصة الخروج منه؛ بل أراد أن تظهر براءته أولًا قبل أن يخرج من السجن ويذهب إلى الملك.
لقد أظهر حب الحق على الحرية وعلى أن يكون مقربًا من الملك.
هم – عليهم السلام – لم يُريدوا متاع الحياة الدنيا وزينتها؛ بل هانت عليهم بمقدار قربهم من الله – عز وجل – وبما عرفوا من الحق..إنهم خير البشر، وقدوتهم.
قال تعالي: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) ﴾ سورة يوسف.
لقد بيَّن يوسف – عليه السلام – مرة أخرى معنى التأويل، عندما نقل المعنى الظاهر، الذي تمثل في رؤيته لأحدى عشر كوكباّ، والشمس والقمر له ساجدين، إلى معنى باطن تحقق في تلك اللحظة من سجود اخوته له، وكان هذا دليلاً على خضوعهم للحق الذي تبيَّن لهم، بعد ما مرَّ من أحداث.
يتضح لنا من تدبر الآيات أنَّ تأويل سيدنا يوسف للرؤى، قد حوَّلَ المعاني الظاهرة، إلى معاني باطنة، لم تدل عليها الآيات في ظاهر كلماتها، إنما كان علمًا من عند الله، ءاتاه يوسفَ – عليه السلام -.