خلط أصحاب الشبهات بين قول الله تعالى: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) ﴾ و بين قوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) ﴾ فخاضوا يشككون في الآيات!
منهم من قال: هل من سيدخلون الجنة من الناس الذين يأتون في ءاخر الزمان هم كثير؛ أم قليل مقارنة بالذين جاءوا في أول الزمان؟!
وتساءل البعض الآخر: هل أهل الجنة من المسلمين كثير؛ أم قليل مقارنة باتباع الأديان التي سبقت الإسلام؟!
و ءاخرون قالوا: هل أهل الجنة كثير، أم قليل؟!
يخطئ من يظن أنَّ الله أنزل للناس عدد من الأديان: اليهودية، والمسيحية، والإسلام؟
بل الدين عند الله الإسلام منذ خلق ءادم – عليه السلام – إلى أن تأتي الساعة.
و كل النبيين، والرسل كانوا مسلمين؛ و هذا نتبينه من قول الله – تعالى – : ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) ﴾ آل عمران.
وقال – عز وجل – : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٩) ﴾ آل عمران.
إنَّ الإسلام هو دين واحد كان عليه كل النبيين، و الرسل، و من تبعهم من قبل أن يُرسل اللهُ – تعالى – سيدنا محمد.
لذلك مفهوم أنَّ الإسلام كان برسالة النبي – عليه الصلاة و السلام – فقط؛ هو مفهوم خاطئ.
وعودة إلى الآيات الكريمة و تبين عدم وجود اختلاف بين الآيات الكريمة.
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) ﴾ الواقعة.
هنا ذكر اللهُ – سبحانه وتعالى – مجموعة من أهل الجنة؛ وصفهم ب: (المقربون في جنات النعيم).
و بينت الآيات عددهم في الأولين؛ أي من جاءوا في أول الزمان بأنَّه ثُلة بمعنى كثير.
و في ءاخر الزمان سيكون عدد المقربين قليل.
لكن لنعلم أنَّه توجد مجموعة أخرى من أهل الجنة غير المقربين؛ و هم أصحاب اليمين..
قال اللهُ – تعالى – عنهم: ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) ﴾ الواقعة.
أي أنَّ أصحاب اليمين هم مجموعة أخرى أكثر عددًا في الجنة من المقربين؛ حيث و صفهم اللهُ – تعالى – بأنَّهم ثُلة من الأولين، وثُلة من الآخرين؛ أي كثيرين سواء في أول الزمان، أو ءاخر الزمان.
لكن (المقربون) عددهم كثير في أول الزمان، وقليل في ءاخره.
يتبين لنا أنَّ الله – عز وجل – قسَّم أهل الجنة إلى مجموعتين، المجموعة الأولى هم: (المقربون) و هم الأقل عددًا في الجنة.
والمجموعة الأخرى هم: (أصحاب اليمين)، و هم الأكثر عددًا في الجنة. المقربون في جنات النعيم ثُلة من الأولين، وقليل من الآخرين، و أصحاب اليمين، ثُلة من الأولين، و ثُلة من الآخرين، فهم الأكثر من حيث العدد في الجنة، لذلك لا اختلاف، أو تناقض بين الآيات الكريمة:
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) ﴾.
﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) ﴾؛ لأن ءايات تحدثنا عن المقربين، وءايات أخرى تحدثنا عن أصحاب اليمين.