إنَّ أوَّل السبيل لتدبر القرءان واستنباط ما فيه من حق ومعجزات بيانية؛ هو أن نضع دلالة كل لفظ كما هي في الآيات، وليست مثل ما اعتاد عليه الناس.
لأنَّ غير ذلك سيُؤدي – لا محالة – إلى اختلاف الناس في ءايات القرءان؛ حيث سَيَحُول دون استنباط دلالة اللفظ كما هي في الآيات؛ وبالتالي: لن يستنبطوا المراد من كل ءاية.
وحين نجعل دلالات تلك الألفاظ كما هي في كتاب الله؛ سيتيسر تدبر القرءان ـ بإذن الله ـ وفقه دلالة كل لفظ فيه، والمراد من ءاياته؛ وبالتالي: فهم كيفية تطبيقها في الحياة.
من أمثلة الخلط بين الألفاظ التي تحول دون تدبر القرءان، وفقه دلالات ألفاظه، والمراد من ءاياته؛ الخلط بين ألفاظ: (الجسم، البدن، الجسد).
لقد حدث الخلط حين جعلوها كلها دالة على الإنسان.
وهل ميز القرءان بين دلالة كل لفظ منها؟
نعم، فحين نتدبر القرءان نجده قد فرق بين دلالة كل لفظ منها ببلاغة بيانية كاملة.
وكيف نصل لدلالة اللفظ الصحيح؟
حين نتدبر القرءان لنستنبط دلالات ألفاظه البالغة، والمراد من الآيات؛ علينا ألَّا نستبدل الَّفظ بلفظ ءاخر..
مثلًا: لا نقول: البدن، هو: (الجسد)، أو البدن، هو: (الجسم)؛ فهذا ليس الوصف الصائب للفظ: البدن.
ولكن علينا أن نصف البدن كما دلت عليه الآيات، وليس مثل ما هو دارج بين الناس.
أي نستنبط دلالة لفظ: (البدن) من القرءان؛ ثم نصفه كما جاء في القرءان؛ فنصفه مثل ما يلي: هو الجسم بعد موته، أو الجسم بعد أن خرجت منه النفس بالموت، أو هو ما يتحلل بعد الموت..وهكذا..
يختلف الوصف من إنسان لآخر، ولكن دون أن تختلف دلالة لفظ: (البدن) التي ليست للجسم، وليست للجسد؛ أي يكون الوصف دائمًا متوافقًا مع دلالة لفظ البدن التي جاءت في كتاب الله.
وما هو الوصف الذي يتوافق مع بلاغة اللفظ في القرءان؟
الوصف، هو: ما ينشأ من تدبر القرءان الَّذي يُساعدنا في تبيُّن دلالة الشئ، أو القول (كما هو) دون تغييره بلفظ ءاخر، أو بوصف ليس له علاقة بذلك الشئ.
فإن تمسكنا بهذا؛ فنحن لا نخرج عما جاء في كتاب الله؛ وبالتالي: سنكون أقرب من الوصف الصائب الذي يتوافق مع القرءان وبلاغته.
ولا شك أنَّ الوصف يختلف من إنسان لآخر، ولكن دون أن تختلف الدلالة التي نعطيها للَّفظ الَّذي نصفه.
فمثل ما بينت بالأعلى: إنسان قد يصف البدن بأنَّه: الجسم بعد موته، وإنسان ءاخر قد يصفه قائلًا: هو ما يتحلل بعد الموت..نلاحظ أنَّ الوصف اختلف، ولكن لم تختلف دلالة لفظ البدن، وأنه ليس الجسم، ولا الجسد.
إنَّ تدبر القرءان لا يتوقف إلى أن تأتيَ الساعة، وهذا ما دل عليه قول الله ـ تعالى ـ : ﴿ سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ (٥٣) ﴾ فصلت، يتبيَّن لهم: أنَّ القرءان هو الحق من ربهم لا اختلاف فيه أبدًا.
قال اللهُ – تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا (٨٢) ﴾ النساء.
فنحن لا نتبيَّن بلاغة البيان في القرءان، وأنَّه يخلو من أي اختلاف بالقراءة السطحية؛ بل بالتدبر لنستنبط دلالة كل لفظ كما هي في القرءان؛ وبالتالي: المراد من كل ءاية من ءايات القرءان.
والله أعلم.