هل من مات ولم يأته نذير من عند الله؛ سيعذبه اللهُ يوم القيامة؟!

من الناس من يقول: إنَّ والدي النبي – عليه الصلاة والسلام – ماتا على الشرك، وأنَّهما في النار!

وبعضهم يقول: (إنَّهما يُمتحنان يوم القيامة)!

لا شك أنَّ قولهم هذا يُخالف قول الله – تعالى – : ﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ رَبِّ ٱرۡجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّيٓ أَعۡمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكۡتُۚ كَلَّآۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَاۖ وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (١٠٠) ﴾ المؤمنون.

وكذلك يُخالف قوله – سبحانه وتعالى – : ﴿ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ (٩٣) ﴾ الأنعام.

فالآية تبين لنا: أنَّ أمر الظالم يتبين له عند الموت حين تبشره ملائكة الموت بالعذاب، ولا يكون أمره مُعلقًا حتى يتم امتحانه يوم القيامة (إنَّ الدار الآخرة دار حساب، وجزاء؛ وليست دار اختبار).

وأبرز ما استدلوا به من روايات على موت والدي النبي على الشرك؛ هي روايات ءاحاد (ظنية الثبوت، ظنية الدلالة ) أي ليست قاطعة؛ بل بها نسبة شك أنَّ الرسول – عليه الصلاة والسلام – قالها:

عن أنس أنَّ رجلًا قال: (يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار؛ فلما قفى دعاه فقال: إنَّ أبي وأباك في النار) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي) رواه مسلم.

جمهور العلماء قالوا: (لا يجوز أن يقول بعض الناس: إنَّ والدي النبي في النار) إنَّ هذا يؤذي الرسول.

وقالوا: (إنَّ لفظ أب يُطلق كذاك على الأجداد، والعم) واستدلوا بقول الله – تعالى – : ﴿ أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ (١٣٣) ﴾ البقرة.

فلا شك أنَّ إبراهيم – عليه السلام –

وحسب التعبير الدارج هو جد سيدنا يعقوب، ووالد كل من إسماعيل، وإسحاق – عليهما السلام – وسيدنا إسحاق هو والد سيدنا يعقوب.

أما الرواية الثانية التي ورد فيها: أنَّ الله لم يأذن للنبي بأن يستغفر لأمه؛ ولكن أذن له أن يزور قبرها (أي يقوم على قبرها) فإنَّي أراها تُخالف قول الله – تعالى – : ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ (٨٤) ﴾ التوبة.

كيف نستدل من تلك الآية الكريمة على عدم صحة الرواية التي تقول: إنَّ الله أذن للنبي بأن يزور قبر أمه بعد أن ماتت مشركة بالله؟

لو كان الأمر كما يزعمون: (أنَّ والدته ماتت على الشرك، وكفرت بالله) فكيف يؤذن للنبي بزيارة قبرها؛ واللهُ قد نهى النبي عن أن يقوم على قبر من تبين له (بعلم من الله) أنَّهم كفروا بالله ورسوله، وهم فاسقون؟!

وعن رأي جمهور العلماء حول الروايتين قالوا: إنَّ كلا الروايتين ءاحاد، لا يُستدل بهما في العقيدة.

وإنَّي أراها كذلك: ليست حجة إذا خالفت القرءان؛ بل يجب ردها أمام ءايات القرءان البينة القاطعة.

الرواية الظنية حين تُخالف القرءان يتم ردها، ولا نكون مجبرون على مُخالفة كتاب الله لنصدق الرواية؛ لأنَّ كتاب الله هو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الذي يحكم على صدق الرواية من عدم صدقها؛ لأنَّه يعلو، ولا يعلو عليه.

فكيف للرواية الظنية إن خالفت القرءان؛ يكون لها الحكم عليه فترد ءاياته؟!

بل القرءان الكريم هو من يحكم على صحة الرواية؛ فإن خالفته؛ فإنَّها لا تصح عن الرسول – عليه الصلاة والسلام – الذي يُبين لنا ما في كتاب الله، ولا يُخالفه أبدًا مصداقًا لقول الله – تعالى – : ﴿ وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ (٤٧) ﴾ الحاقة.

هناك روايات صحيحة، تتوافق مع القرءان، ولا تُخالفه فنأخذ بها، وروايات ضعيفة، ومكذوبة نردها لئلا نرد ءايات القرءان.

كيف نحكم على صحة الرواية؟

نرد الرواية إلى القرءان، وهو خير ما يحكم عليها؛ هل صحيحة؛ أم مكذوب، هل هي من تبيان الرسول؛ أم مفتراة عليه؟

فنحن نؤمن – ونحن مُطمئنين – أنَّ كتاب الله يُبين لنا الصراط المستقيم الذي نتبعه، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا يُصيبه تحريف أبدًا.

لذلك فإنَّ القرءان هو الحاكم الوحيد، والمقياس الرباني لتبين صحة الروايات من عدم صحتها.

والدليل على ذلك: أنَّنا نتبين صدق الرواية التي تُنسب إلى الرسول؛ لأنَّها جاءتنا عن طريق بشر، ولا نتبين صدق الآية التي في القرءان؛ لأنَّنا نؤمن أنَّ القرءان هو كلام الله المُعجز في ذاته، المحفوظ بإرادة الله، وليس بإرادة البشر.

وفي حال توافقت الرواية مع كتاب الله؛ لا نردها، مثل: قول الرسول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذه الرواية بالغة الدقة في ألفاظها، تتوافق مع بلاغة الألفاظ في القرءان، ولا تُخالفه، تدل على أنَّها من قول الرسول – عليه الصلاة والسلام – الذي تأثر بالقرءان؛ تأثر بما فيه من بلاغة، وبيان، ودقة الألفاظ.

وقد بينا ذلك في موضوع سابق..

وحين نعود إلى القرءان لنتبين صدق رواية: (بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقى تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم).

ذَكر مجموعة من العلماء: إنَّها جاءت في مسند الإمام أحمد ابن حنبل، وهي رواية ضعيفة.

وهي تُخالف قول الله – تعالى – المحكم: ﴿ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ (١٠٧) ﴾ الأنبياء.

﴿ فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡر ﴾ من الآية (١٥٩) آل عمران.

لكن بعض الناس يقولون: كيف علمنا عدد كل فرض من الصلاة، وكيف علمنا كيفية قيامها؛ أليس من الروايات؟! وهذا لتثبيت الروايات الموضوعة.

قولهم هذا ليس له علاقة بروايات ظنية، موضوعة، تُخالف القرءان!

إنَّ رد رواية تم التيقن أنَّها تُخالف القرءان؛ لا يعني إنكار الصلاة بأي حال من الأحوال؛ فالصلاة: هي سنة عملية (من الشعائر) أقامها الناس قبل أن تدون في الروايات، أقامها الرسول – عليه الصلاة والسلام – كما (وليس مثل ما) أمره اللهُ – تعالى – فأقامها الناس كما أقامها الرسول – عليه الصلاة والسلام – الذي قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

فهذه الرواية تأتي من رسول يبلغ عن ربه؛ لأنَّها رواية مُحكمة في ألفاظها كما أشرت من قبل، لا تُخالف ءايات القرءان، وما بها من دقة الألفاظ، بلاغة البيان.

إذًا الصلاة لا تُخالف كتاب الله؛ نقيمها كما أقامها الرسول – عليه الصلاة والسلام -.

وعودة لنفي أنَّ والدي النبي في النار؛ ولكن أمرهما بيد الله (عالم الغيب الرحمن الرحيم)

قول الله – تعالى – : ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ (١١٣) ﴾ التوبة.

حين نعود إلى الآيات التي تفصل الكتاب يتبين لنا أنَّ الآية الكريمة لم تتحدث عن والدي النبي؛ لأنَّها نزلت في المشركين الذين سمعوا دعوة النبي؛ فكفروا برسالته؛ فأوحى اللهُ لرسوله: أنَّهم من أصحاب الجحيم، وهنا لا يجدي الاستغفار لهم شيئًا.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ وَلَوۡ أَنَّآ أَهۡلَكۡنَٰهُم بِعَذَابٖ مِّن قَبۡلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبۡلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخۡزَىٰ (١٣٤) ﴾ طه.

لو أهلكهم اللهُ قبل أن يأتيهم رسول لينذرهم، ويبين لهم الحق؛ سيقولون: لولا أرسلت إلينا رسولٌا فنتبع ءاياتك؟!

لذلك اللهُ يُرسل إليهم رسله؛ ليقيموا على من حق عليهم العذاب الحجة؛ لئلا يكون لهم على الله حجة يوم القيامة.

قال اللهُ – عز وجل – : ﴿ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۚ بَلۡ هُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ (٣) ﴾ السجدة.

هؤلاء من دعاهم الرسول إلى الإيمان؛ أي بعد مجئ الرسالة.

ويؤكد اللهُ أنَّهم لم يأتهم قبل النبي من نذير، وهذا يرد على من زعموا أن والدي النبي جاءهم نذير، تمثل في أهل الكتاب أو الكتب السماوية التي أرسلها على إبراهيم، وموسى، وعيسى – عليهم السلام – ؟!

نقول لهم: هم لم يأتِهم رسول لينذرهم، لأنه لا بد أن يأتيهم الرسول من عند الله مباشرة، وليس ما يسمعهوه من أهل الكتاب الذين اختلفوا في دينهم.

كذلك لم يكن بين أيدي أهل الفترة كتب الله التي لم يمسها التحريف لتكون حجة عليهم؟!

لكن بعد أن أنزل اللهُ – تعالى – القرءان وحفظه؛ أصبح كتاب الله هو الرسالة التي تدعوا الناس للحق، والحجة البالغة حتى تأتي الساعة.

إنَّ من سبقوا بعث النبي – عليه الصلاة والسلام – من قومه؛ لم يأتِهم نذير من ربهم؛ هذا ليس قولنا؛ بل قول الله عالم الغيب: ﴿ مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ ﴾ فهل بعد قول الحق رأي؟!

فمن ماتوا قبل بَعثَ النبي – عليه الصلاة والسلام – من قومه؛ هم من أهل الفترة، الذين يعود أمرهم إلى الله أحكم الحاكمين.

هل اللهُ يُعذب دون أن يُرسل رسولًا؛ أم لا؟

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ (١٣١) ﴾ الأنعام.

إنَّ الله – سبحانه وتعالى – يُبين لنا: أنَّه لا يهلك قرية (ظالمة) وأهلها غافلون؛ أي لم يأتِهم رسول يُنذرهم، ويبين لهم سبيل الحق.

ونحن نعلم أنَّ قريش لم يتم إبادتها قبل بعث النبي؛ لأنَّهم كانوا من أهل الفترة (لم يأتِهم نذير).

وتتكامل الآيات المُفصلات لتؤكد لنا ذلك

﴿ رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا (١٦٥) ﴾ النساء.

الله ينفي أن يُعذب من لم يأتِهم رسل مُبشرين، ومُنذرين؛ فلو عذبهم ستكون حجتهم: أنَّهم لم يدروا ما الإيمان، وما الإسلام؛ لأنَّهم لم يأتِهم رسول من عند الله يتبعوه؛ لذلك قال اللهُ الذي أحكم ءاياته: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِ ﴾.

ويتأكد ذلك لنا من قول الله – تعالى – : ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا﴾ من الآية (١٥) الإسراء.

ذلك هو تكامل الآيات التي لا تختلف أبدًا.

ومن بلاغة الآية مجئ لفظ: (ما) الذي نفى العذاب عن أهل الفترة في كل الأزمنة: (الماضي، والحاضر، والمستقبل)، ليس في الدنيا فقط؛ بل نفت كذلك أنهم سيُعذبون يوم القيامة.

لكن ربما أُتى والدي النبي، وأهل الفترة كتاب من عند الله يدرسونه؛ فتبين بذلك لوالدي النبي – عيه الصلاة والسلام – الحق منها؟!

من الأدلة على أنَّ والدي النبي من أهل الفترة الذين لم يأتِهم من كُتُب من عند الله ليدرسونها، ولم يُرسل اللهُ – تعالى – إليهم نذيرًا قبل النبي – عليه الصلاة والسلام – قول الله – عز وجل – : ﴿ وَمَآ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدۡرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِيرٖ (٤٤) ﴾ سبأ.

الآيات تفصل لنا بعضها في تكامل عجيب، ورائع، بالغ الدقة.

الآية تنفي وجود نذير، أو كتب جاءتهم من عند الله.

وهذا يُؤكد أنَّ والدي النبي من أهل الفترة من الذين لم تقم عليهم الحجة بالرسل، أو بالكتب (التي لم يتم تحريفها).

وهذا ينفى بدوره القول: بأنَّهما بلغتهما دعوة إبراهيم – عليه السلام -.

هم يقولون: بلغتهما دعوة إبراهيم – عليه السلام – واللهُ – تعالى – يقول: ﴿ وَمَآ ءَاتَيۡنَٰهُم مِّن كُتُبٖ يَدۡرُسُونَهَاۖ وَمَآ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ قَبۡلَكَ مِن نَّذِيرٖ (٤٤) ﴾؟! ما لكم أفلا تعقلون؟!

إذًا كيف هما من أهل النار؛ وقد بين اللهُ – جل وعلا – : أنَّ من دخل النار ليس له حجة على الله يوم القيامة؛ لأنَّه جاءه نذير؟!

لننظر كيف تُبين الآيات بعضها بدقة بالغة

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ (٨) قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ (٩) ﴾ الملك.

فهي قاطعة في أنَّ كل من دخلوا النار أقروا بأنهم جاءهم نذير في الحياة الدنيا فكذبوه.

فمن كان له قول يُخالف كلام الله وما نتبينه من ءاياته؛ فهو يرد قول الحق من أجل قول بشر!

لكن من الناس من يُصرون على مُخالفة ءايات القرءان بقولهم: إنَّ من ماتوا في الفترة، ومنهم والدي النبي، وحتى من ماتوا من الأطفال ممن لم يأتِهم نذير؛ سيمتحنهم اللهُ يوم القيامة؛ فيأمرهم أن يدخلوا النار؛ فمن دخلها تكون بردًا وسلامًا عليه، ومن لم ينفذ الأمر؛ يكون من المعذبين؟!

ذلك القول ما لهم به من علم، يُخالف ءايات القرءان، ويجعل الدار الآخرة دار اختبار، وليست دار جزاء!

من أين لهم بهذا؟! أم أنهم يفترون على الله الكذب ليجعلوا في الدين ما لم يأذن به اللهُ؟!

إنَّ كلامهم فيه اختلافًا كثيرًا، يُخالف ءايات القرءان، ولا يقبله العقل.

أما الآيات المحكمة – قول الحق – فهي تنقل معنى واحد دون اختلاف، لا يختلف فيها الناس.

إنَّ ما تبينه من الآيات الكريمة لا يتفق مع قولهم؛ بل يُخالفه بشكل صريح؛ لأنَّ الله لا يظلم أحدًا؛ ولا يختبر الناس يوم القيامة.

لو أراد اللهُ – عز وجل – اختبارهم؛ كان – سبحانه وتعالى – سيختبرهم في الحياة الدنيا قبل أن يأتيهم الموت؛ لأنَّ النذير يأتي في الحياة الدنيا (دار الفتنة، والابتلاء) وليس في الآخرة (دار الحساب، والجزاء).

إنَّ من يتقولون على الله، ويفترون عليه الكذب؛ وصف عملهم بقوله: ﴿ انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (٥٠) ﴾ النساء.

ووصفهم بأنهم لا يعقلون لأنهم يُخالفون الحق: ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣) ﴾ المائدة.

ما مصير من يفترون الكذب على الله؟ ﴿ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) ﴾ يونس.

حين نتبين قول الله – تعالى – : ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۖ كُلَّمَآ أُلۡقِيَ فِيهَا فَوۡجٞ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَذِيرٞ (٨) قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ (٩) ﴾ نجد أنَّ كل من يدخلون النار يسألهم خزنتها ألم يأتِكم نذير؟

فيقول الظالمون: بلى قد جاءنا نذير فكذبنا.

هذا يعني أنّ كل من دخلوا النار هم من كفرا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر؛ فهم من جاءهم نذير في الحياة الدنيا، ولم يتم اختبار أحدهم يوم القيامة؛ لأنَّ الآية محكمة، وبينة. النذير يكون في الحياة الدنيا، كذلك القرءان نذير بعد وفاة النبي؛ لأن القرءان لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نذير للناس، و تكذيبه يُوجب العذاب في الآخرة.

فكيف يزعمون أنَّ أهل الفترة، ومن ماتوا أطفالًا سيتم اختبارهم يوم القيامة؟!

ولو أخذنا بقولهم الذي افتروا به على الله!

نقول لهم

وماذا عمن يدخلون جهنم بعد اختبارهم يوم القيامة (حسب زعمهم) هل هؤلاء ينطبق عليهم قول الله – تعالى – : ﴿ قَالُواْ بَلَىٰ قَدۡ جَآءَنَا نَذِيرٞ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ كَبِيرٖ (٩) ﴾؟!

وكيف يدخل النار، وتكون عليه بردًا، ونعلم أنَّ المؤمنين عنها مبعدون، لا يدخلون النار، ولا أبواب جهنم؟!

﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (١٠٢) ﴾ الأنبياء.

قال اللهُ – تعالى – : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) ﴾ النساء.

من بلاغة القرءان الكريم

قول الله – تعالى – : ﴿ ٱلَّذِي يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ (٢١٩) ﴾ الشعراء.

قيل في بينها

تقلبه في أصلاب وأرحام الساجدين؛ مما يبين أنَّ والدي النبي – عليه الصلاة والسلام – هما من الساجدين، وليسا ممن أشركوا وكفروا بالله.

كذلك من بلاغة البيان في الآية؛ أن حرف (الواو) في قول اللهُ – تعالى – : ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّٰجِدِينَ ﴾ ليس للترتيب الزمني كما بينا في موضوعات سابقة؛ فهي تدل على ما قبل مولده.

كذلك نلاحظ لفظ: (تَقَلُّبَكَ) قد أتى مفعولًا به، مما يعني أنه ليس المراد به سجود النبي – عليه الصلاة والسلام -.

ولكن تعني ما قبل مولده وهو في الساجدين.

إذًا والدي النبي – عليه الصلاة والسلام – لم يكونا مشركين؛ بل كانا من الساجدين لله.

والله أعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Shopping Cart